أخر الأخبارمقالات

الأحزان والهموم.. نصائح نبوية لمواجهة القاتل الصامت بطمأنينة وحكمة

بقلم د ياسر جعفر

تعتبر الأحزان والهموم من التحديات النفسية التي تواجه البشرية جمعاء، بغض النظر عن الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية للأفراد، فالفقراء والأغنياء على حد سواء يعانون من ثقل هذه المشاعر السلبية، التي أصبحت تشكل خطرًا كبيرًا على الصحة النفسية والجسدية للمجتمعات في مختلف أنحاء العالم.

نجد الكثير من الناس يعانون من الهموم والأحزان، الجميع أمام الأحزان والهموم سواء، فالهم والحزن لا يتركان بابًا إلا إذا طرقاه، ولا يتركان فردًا أو أسرة أو مجتمعًا إلا دخلا عليه.

ربما نسمع من شخص يقول: “أنا مهموم، أنا مخنوق، لدي ضيق في صدري.” وآخر يقول: “أنا مخنوق، ولا أعرف سبب هذه الخنقة، لا يوجد سبب يجعلني أحزن أو أكون مهمومًا، ولا أريد أن أكلم أحدًا أو أخرج من البيت.” هذه شكاوى بالملايين.

وعلى مستوى الأسرة كذلك، والمجتمع مليء بجبال من الهموم والأحزان التي جعلت الحليم حيران. ربما تسمع أفرادًا يقولون: “أنا لا أطيق نفسي.” ويتمكن منهم الهم والحزن والوساوس، فيصبحون عرضة للشيطان (قرينه) الذي يتلاعب بأفكارهم ويدخلهم في دوامة سوداوية مظلمة قد تؤدي بهم إلى الأمراض النفسية.

لذلك، فإن من أخطر الأمراض التي تواجه الإنسان هي الهموم والأحزان، فهي سبب في تدمير الجهاز المناعي، وتؤدي إلى كثير من الأمراض المزمنة التي لا يعرف الأطباء لها علاجًا أو تشخيصًا واضحًا.

وينبغي علي الانسان تجنب الدخول لتلك الدوامة وتأثيرها السلبي، والوصول لمرحلة اليأس والقنوط، ومن الهموم من تكفر الزنوب والمعاصي ، النظر إلى غُموم الدنيا وهُمومها على أنها للمسلم تُكَـفِّرُ ذُنوبَهُ وتُمحِّصُ قلبَه وترفعُ درجاتِه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ)

ومن علاج الهموم: معرفةُ حقيقة الدنيا وأنها فانية ومتاعَها قليل وما فيها من لذة فهي مُكدَّرة ولا تصفو لأحد، وهي كذلك نَصَبٌ وعناء، ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن أبي قتادة رِبْعيِّ الأنصاري أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُرَّ عليه بجنازةٍ، فقال: (مُستريحٌ ومُستراحٌ منه)، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، مَن المستريحُ والمستراحُ منه؟ فقال: العبدُ المؤمنُ يستريحُ مِن نصَبِ الدُّنيا وأذاها إلى رحمةِ اللهِ والمستراحُ منه العبدُ الفاجرُ، يستريحُ منه العبادُ والبلادُ والشَّجرُ والدَّوابُّ)صحيح ابن حبان،

ومن علاج الهموم: التأسي بالرُّسل والصالحين واتخاذُهم مثلًا وقدوةً: وهم أشدُّ الناس بلاءً في الدنيا والمرءُ يُبتلى على قدر دينه، والله إذا أحبَّ عبدًا ابتلاه، عن سعدٍ قال: قلتُ:(يا رسولَ الله أيُّ النَّاس أشدُّ بلاءً؟ قال: الأنبياءُ ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ، فيُبتلَى الرَّجلُ على حَسْبِ دينهِ فإنْ كان دينُهُ صَلبًا اشتدَّ بلاؤهُ، وإن كان في دينِهِ رِقَّةٌ ابتُليَ على حسْبِ دينهِ، فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يتركَهُ يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ) صحيح الترمزي،
جعَل اللهُ ابتلاءَ العبادِ بالمصائبِ والبلايا كفَّاراتٍ للذُّنوبِ ومَحوًا للسَّيِّئاتِ؛ وذلك أنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عبدًا ابتَلاه لِيَغفِرَ له ذُنوبَه، حتَّى إذا لَقِيَه لم يَكُنْ عليه خَطيئةٌ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضِيَ اللهُ عَنه: “قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشَدُّ بَلاءً؟”، أي: مَن أثقَلُ النَّاسِ ابتِلاءً وأشَدُّهم مَصائِبَ وبَلايا؟ “قال”، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “الأنبياءُ”، أي: أشَدُّ النَّاسِ الَّذين يُبتَلَون وأثقَلُهم بلاءً ومصائبَ وبلايا هم الأنبياءُ، “ثمَّ الأمثَلُ فالأمثَلُ”، أي: ثمَّ الصَّالِحون فالصَّالحون وأشبَهُهم بالأنبياءِ، “فيُبتَلى الرَّجلُ على حسَبِ دينِه”، أي: ويَكونُ البلاءُ على قدرِ دينِ المرءِ قوَّةً وضَعفًا، “فإن كان في دينِه صُلبًا اشتَدَّ بَلاؤُه”، أي: فإن كان دينُ المرءِ صُلبًا قويًّا، وإيمانُه شَديدًا كان البلاءُ شديدًا، والمصائبُ والبلايا كثيرةً، “وإن كان في دينِه رِقَّةٌ ابتُلِي على حسَبِ دينِه”، أي: وإن كان دينُ المرءِ ضَعيفًا رَقيقًا كان البلاءُ خَفيفًا والبلايا قليلةً، فكلُّ امرِئٍ يُبتَلى على قدرِ دينِه، “فما يَبرَحُ البلاءُ بالعبدِ”، أي: فلا يَزالُ البلاءُ نازِلًا على العبدِ والبلايا تُصيبُه، “حتَّى يَترُكَه يَمْشي على الأرضِ ما عليه خَطيئةٌ”، أي: حتَّى يَغفِرَ اللهُ للعبدِ المبتلَى ذُنوبَه بهذا البلاءِ وتلك البلايا، فيَترُكُ البلاءُ العبدَ وقد غُفِرَت له ذنوبُه كلُّها، وليس عليه شيءٌ أبدًا، ويكونَ للمؤمِنين المبتَلَيْن على ذلك الجزاءُ الحسَنُ يومَ القِيامةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ البلايا والمصائِبَ كَفَّاراتٌ للذُّنوبِ والخَطايا.
وفيه: بيانُ أنَّ الابتِلاءَ مِن شأنِ الصَّالحين
وفي روايه (*أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الذين يلونَهم ، ثم الذين يلونَهم*)

(ومن ادويه الهموم)

الالتزام في الصلاه :
ومن أنفع علاج الهم والغم الصلاة، قال تعالى: ﴿ *وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة 45]، عن حذيفةَ قالَ: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صَلَّى)) وكذلك الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

التوكل علي الله بحسن الظن بالله :(*ومن علاج الهموم التوكلُ على الله – عز وجل – وتفويضُ الأمر إليه: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، فالمتوكل على الله قويُّ القلب بالله، يعلمُ أن اللهَ قد تكفَّلَ لمن توكَّلَ عليه بالكفاية التامة، ويثقُ بالله ويطمئنُ لِوَعْدِه فيزولَ – بأمر الله – همُّهُ وقلقُه ويتبدلَ عُسرُهُ يُسرًا وترَحُهُ مرَحًا وخوفُه أمنًا.

من علاج الهموم: أن يجعل العبدُ الآخرةَ همَّه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَن كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل اللهُ غِنَاهُ في قلبِه وجَمَع له شَمْلَه، وأَتَتْه الدنيا وهي راغمةٌ، ومَن كانت الدنيا هَمَّه، جعل اللهُ فقرَه بين عَيْنَيْهِ، وفَرَّق عليه شَمْلَه، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له)صحيح الترمزي،
الاشتغالُ بالآخرةِ دارِ القَرارِ سببُ السَّعادةِ والفوزِ بنَعيمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَنقُص من الرِّزق شَيئًا، والاشتِغالُ بالدُّنيا الفانيةِ يُورِثُ الهُمومَ ويُفرِّقُ الشَّملَ ولا يَزيدُ من الرِّزقِ شيئًا.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: “مَن كانَتِ الآخِرةُ همَّه”، أي: أهَمَّ ما يَشغَلُه وكانتْ هي قَصْدَه في عمَلِه وحياتِه في الدُّنيا، “جعَل اللهُ غِناه في قلبِه”، أي: رزَقه الكِفايةَ وقنَّعه بما في يدِه، فيكونُ مُستغنِيًا باللهِ عن النَّاسِ، ولا يَطمَعُ في أحَدٍ، “وجمَع له شَمْلَه”، أي: وكانَت أمورُه المتفرِّقةُ مُجتمِعةً بإذنِ اللهِ، ويسَّر له كلَّ شيءٍ، “وأتَتْه الدُّنيا وهي راغِمةٌ”، أي: وتأتيه الدُّنيا وهي ذَليلةٌ؛ لأنَّه لم يتَطلَّعْ إليها، “ومَن كانت الدُّنيا همَّه”، أي: كانت قصْدَه وشُغلَه، وكان غرَضُه مِنها اتِّباعَ الشَّهواتِ، “جعَل اللهُ فقْرَه”، أي: جعَل اللهُ احتِياجَه “بينَ عينَيْه”، أي: أمامَه ولو كان مِن الأغنياءِ، “وفرَّق عليه شَمْلَه”، أي: شتَّت عليه أمرَه فتتشعَّبُ عليه أمورُ الدُّنيا، “ولم يأتِه مِن الدُّنيا إلَّا ما قُدِّر له”، أي: لَم يُحصِّلْ مِنْها رُغمَ هذا السَّعيِ فيها إلَّا ما قد كتَبه اللهُ عزَّ وجلَّ له.
وفي الحديثِ: الترغيبُ في الاهتِمامِ بالآخِرةِ والإقبالِ عليها، والحَثُّ على الزُّهدِ في الدُّنيا والإعراضِ عنها

ولنعلم أن من علاج الهموم: دُعاءُ اللهِ سبحانَه وتعالى, الذي بيده كُلُّ شيء، ومن الدعاء ما هو وقاية، ومنه ما هو علاج، فأما الوقاية فإن على المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى ويدعوَه مُتضرِّعًا إليه بأن يعيذَه من الهُموم ويباعدَ بينه وبينها، كما كان يفعلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ، وغَلبةِ الرِّجالِ)، وهذا الدعاء مفيدٌ بأمر الله لدفع الهم قبل وقوعه، ومن أنفع ما يكونُ في ملاحظة مستقبل الأمور استعمالُ هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به، فعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهمَّ أَصلِحْ لي دِيني الذي هو عصمةُ أمري، وأَصلِحْ لي دنياي التي فيها معاشي، وأَصلِحْ لي آخرَتي التي فيها مَعادي، واجعلِ الحياةَ زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ) فإذا وقع الهمُّ وألَمَّ بالمرء، فبابُ الدعاء مفتوحٌ غيرُ مُغلَق، والكريمُ عز وجل إن طُرِق بابُه وسُئِل، أُعطيَ وأجاب، يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمِّ والغمِّ، ذلك الدعاءُ العظيمُ المشهورُ الذي حثَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ منْ سمِعَه أن يتعلَّمَه ويحفظَه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحدًا قط همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمَّ إني عبدُك، وابنُ عبدِك، وابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤُك، أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك، أو علَّمتَه أحدًا من خلقِك، أو أنزلتَه في كتابِك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك، أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاءَ حزني، وذَهابَ همِّي، إلا أذهبَ اللهُ همَّهُ وحزنَه، وأبدلَه مكانَه فرجًا، قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ ألا نتعلَّمُها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعَها أن يتعلَّمَها)
وقد وردت في السنة النبوية أدعيةٌ أخرى بشأن الغم والهم والكرب ومنها: – أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ عند الكربِ: “*لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيمُ، لا إله إلا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ الأرضِ وربُّ العرشِ الكريمُ'”، وعن أنس رضي الله عنه قال: *كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كربَهُ أمرٌ قالَ: يا حيُّ يا قيُّومُ برَحمتِكَ أستغيثُ)، وعن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أُعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب؟! اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِك بهِ شيئًا)، ومن الأدعية النافعة في هذا الباب أيضًا ما علَّمناه رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم بقوله: (دعواتُ المكروبِ: اللَّهمَّ رحمتَك أَرجو فلا تَكِلني إلى نَفسِي طرفةَ عينٍ، وأصلِح لي شَأني كلَّه لا إلَه إلَّا أنتَ)

في النهاية، يجب أن يكون هناك دور فاعل للمؤسسات الدينية والصحية والتعليمية في نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية وطرق الوقاية من الاضطرابات النفسية.

إذن لا يمكن إنكار أن الأحزان والهموم جزء من الحياة، لكنها ليست نهاية المطاف. بالإرادة والدعم الصحيح، يمكن للإنسان التغلب على هذه المشاعر واستعادة التوازن النفسي الذي يُعد أساس الحياة الصحية والسعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى