الاستغفار.. نفحات رمضانية

بقلم د. ياسر جعفر
الاستغفار نعمة عظيمة ومنحة إلهية جليلة، فهو مفتاح لكل خير، وسبب في دفع الشرور ورفع البلاء، وطريق لنيل مغفرة الله ورحمته. جعله الله سبحانه وتعالى وسيلة لتجديد الإيمان وتطهير القلوب من الذنوب، وسببًا لزيادة الأرزاق والبركات.
وفي هذا الشهر الفضيل، حيث تتنزل الرحمات، ينبغي أن نحرص على الإكثار من الاستغفار، متأسين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان يستغفر الله في اليوم مرات عديدة، إدراكًا لعظيم أثره في الدنيا والآخرة.
ولذلك فإن الاستغفار من الأسلحة القوية للإنسان ضد أي شر، سواء كان شرًا جسديًا أو حسدًا أو سحرًا. وهو سلاح ينقي الجسم من الأمراض والمعاصي، ويزيد البدن قوة، ففي المعاصي هلاك للجسم، والاستغفار دواء وعلاج يفتح جميع الأبواب المغلقة.
كما أن الاستغفار طاعة لله عز وجل، وهو سبب لمغفرة الذنوب، كما قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا). وهو سبب لنزول الأمطار، حيث قال تعالى: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا). كما أنه يمد العبد بالأموال والبنين، قال الله تعالى: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ). وهو باب لدخول الجنات، فقد قال تعالى: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ).
الاستغفار يزيد القوة بكل معانيها، كما في قوله تعالى: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ). كما أنه وسيلة للتمتع بالحياة الطيبة، قال تعالى: (يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا). وهو يدفع البلاء، فقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
العباد بحاجة دائمة إلى الاستغفار، لأنهم يخطئون ليلًا ونهارًا، فإذا استغفروا الله غفر لهم. وهو سبب لنزول الرحمة، كما في قوله تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وهو كذلك كفارة المجلس، كما أنه تأسٍّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يستغفر الله في اليوم سبعين مرة، وفي رواية: مائة مرة.
الاستغفار مشروع في كل وقت، لكنه يجب عند فعل الذنوب، ويستحب بعد الأعمال الصالحة، كالاستغفار ثلاثًا بعد الصلاة، وكالاستغفار بعد الحج. كما يستحب في أوقات السحر، فقد أثنى الله على المستغفرين في هذا الوقت، قال تعالى: (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ). ويعد الاستغفار في وقت السحر من أعظم الأعمال، وهو يبدأ قبل أذان الفجر بساعتين، وهنيئًا لمن لزمه في هذا الوقت بقوة إيمان وصدق نية وصفاء ذهن.
من صيغ الاستغفار:
“اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.””أستغفر الله.””ربي اغفر لي.””اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.””رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور.””رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.”
“اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا الله، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.””أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.”
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ).وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قال: (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) غفر له وإن كان فر من الزحف.” رواه الترمذي.
وروى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة.”
كان النبي صلى الله عليه وسلم ملازمًا للاستغفار في كل وقت، حتى قال عن نفسه: “والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.” رواه البخاري.
وروى أبو داود والترمذي وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.”
هكذا كان حال أهل العزائم والإيمان، يلجؤون إلى الله على الدوام، ويكثرون من التوبة والاستغفار، موقنين بعظمة الله، مخلصين غير يائسين. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).
كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورًا بالإكثار من الاستغفار، خاصة في آخر حياته، قال الله تعالى: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا).
وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة استغفر، كما أن حجاج بيت الله مأمورون بالاستغفار بعد الإفاضة من عرفات، قال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
إن من رحمة الله بعباده أنه جعل الاستغفار سببًا لمغفرته ورحمته، ورتب عليه عظيم الجزاء وسابغ الفضل. فقد قال تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وقال أيضًا: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
إذا كثر الاستغفار في الأمة وصدر عن قلوب صادقة، دفع الله به عن العباد والبلاد أنواع البلاء، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُمُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).