محمد الزيني يكتب : تسقط آلهة الكهرباء .. حقوق العمال ليست جبر خواطر


والله إني لأحزن ، بل أستحي أن يحدث هذا الإجراء في ظل وزير يعمل تقريبا على مدار 24 ساعة ، يحارب الفساد ، ويطور القطاع ، ويعيد هيكلته ، وهو قبل كل ذلك يحوز ثقة القيادة السياسية : الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء ، أعلنها صريحة لك : إن ماحدث هو تدمير لكل نظريات الإدارة واحترام الإنسان ، فضلا أن يكون رئيس مجلس إدارة شركة كبيرة تحت إدارتك ، وأسألك بوضوح : هل يرضى الرئيس السيسي عن مثل ذلك التصرف؟
فهي ليسنت زلة لسان ، بل كاشفة عن عقلية إدارية تتعامل بمنطق الإله في المؤسسة التي يديرها ، إنها لَمفارقة مؤلمة ومدمرة لجهود الرئيس السيسي في إصلاح وتطوير الدولة المصرية ، ففي الوقت الذي تدعو فيه القيادة السياسية ، وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي ، إلى العدالة الاجتماعية ، وتوفير حياة كريمة لكل مواطن ، وصون حقوق العمال كركيزة أساسية لبناء الوطن ، نجد داخل أحد صروح قطاع الكهرباء الحيوي من يُطلق على حقوق العاملين الواجبة لهم اسم “مبادرة جبر الخواطر”
هذا العنوان الذي اختاره رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية لتوزيع الكهرباء ليصف به حل مشاكل العمال ومنحهم حقوقهم ، ليس مجرد زلة لسان، بل هو فكر إداري مدمر لأي تطوير أو إصلاح ، ويجب التصدي له فورًا . إن حقوق العمال، من رواتب عادلة ، وبيئة عمل صحية ، ومستحقات متأخرة ، هي حقوق أصيلة ومكتسبة بنص القانون والدستور ، وليست هِبات أو صدقات تُمنح تحت مسمى “جبر الخواطر” متى سمح به رئيس مجلس الإدارة ، أو وافق مزاجه الإداري ، أو كان تأثرا لخطبة جميلة ، فأراد أن يمتن بمعروف على العمال والموظفين .
فالحقوق ليست كرما ، بل واجب. إن مجرد اعتبار حقوق العاملين “جبرا للخواطر” يكشف لك أيها الوزير المسئول مسئولية كاملة عن تلك القيادة ملامح الإدارة فيها ، وكيف تدار ، وكأنها تُقدم تفضلاً غير مستحق ، بدلا من الاعتراف بمسؤوليتها الأساسية تجاه من يقومون بتشغيل الشبكة وإيصال النور إلى كل بيت .
إنه تهميش لقيمة العمل وتقليل من قيمة الجهد والعرق الذي يبذله عمال الكهرباء ، الذين يواجهون تحديات العمل الشاقة للحفاظ على استقرار الشبكة القومية للكهرباء ، وحتى تصل بها لتحقيق طموح الوزير في تقديم أعلى مستويات الخدمة ،
إن هذا المستوى من التعامل الإداري مع العمال جعل ما يحصلون عليه لا يتناسب مع قيمة عملهم ، بل هو تعويض “لخاطرهم المكسور” وهو مخالفة معلنة لسياسة الدولة فهذا التوجه يتعارض بشكل صارخ مع دعوات الرئيس السيسي المستمرة لتمكين العمال ، وتوفير كافة أوجه الرعاية لهم ، وتأكيد كرامة الإنسان المصري العامل ، فسياسة الدولة هي الإقرار بالحق ، وليس المن بالفضل.
نحن هنا لا نلوم النوايا ، فقد تكون حسنة ، لكننا نرفض المضمون الخطير لهذا التوصيف ، هذا الفهم لطبيعة العلاقة بين الإدارة والعاملين هو الذي يخلق بيئة عمل غير صحية ، ويُشعر العامل بالدونية ، ويقتل الانتماء والإنتاجية .
لهذا، نوجه دعوة عاجلة ومباشرة إلى وزير الكهرباء والطاقة المتجددة للتحقيق الفوري في هذا الأمر ، واستجلاء الغرض الحقيقي وراء إطلاق هذا المسمى على حقوق العاملين الواجبة ، والتوجيه الحاسم لكافة الشركات التابعة لقطاع الكهرباء بضرورة احترام حقوق العمال ، والتوقف عن استخدام أي مصطلحات تشعرهم بأن حقوقهم الأساسية هي مجرد إحسان أو تبرع ، ومحاسبة كل المسئولين المشاركين عن إطلاق مبادرة بهذا العنوان المسيء ، لتكون رسالة واضحة بأن زمن “آلهة الكهرباء” الذين يمنّون ويتصدقون على العاملين بحل مشاكلهم ، قد ولى ، وأن الإدارة يجب أن تقوم على أساس العدل والشفافية واحترام القانون .
إن قطاع الكهرباء هو قاطرة التنمية ، ونجاحه يبدأ من احترام العاملين فيه . ويجب أن يكون شعارنا: “حقوق العمال محفوظة بقوة القانون ، لا بجبر الخواطر!”
وأخيرا أتوجه بسؤال كلماته مكبوت فيها دموع الحسرة والألم ، لرئيس نقابة العاملين بالكهرباء ، ووزير العمل ، أن يكون أحد المشاركين في هذه القصة الحزينة عضو مجلس الإدارة ممثلا عن العاملين كأن لسان حالهم يقول: أشكو إليك الذين يدعون أنهم من دموع عيني قد ولدوا .


وللقصة بقية …


