أخر الأخبارعاجلمقالاتمنوعات

دكتور ياسر جعفر يكتب: البلطجه واثارها علي المجتمع

البلطجة في الاصطلاح: هي استعمال القوة واستغلال موارد الآخرين ؛ بهدف تحقيق مصلحة خاصة، وهي نابعة من احتياج صاحب القوة – فردًا أو مجتمعًا أو دولة – لموارد ومواهب وقُدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعيَّة.

والبلطجه ربما تكون عن طريق نفوذ الفرد أو المجموعة ولها صور عديدة ومتنوعة وهي في الحقيقه اخذ اموال الناس بالباطل ، والبلطجة دايما تكون علي الضعيف ، سواء الضعيف فردا او جماعة او دولة ، فا الفرد الضعيف سهل البلطحة عليه واكل حقوقه ، كذلك لو مجموعه من الناس وضعيفه سهل اكل حقوقها ، وكذلك لو الدولة ضعيفة ياخذ مقدراتها من بترول وغاز وذهب والمعادن النفيسة وياخذ منها جميع مواردها الحيوية ، عافية وبالقوة والا سوف يسلط عليها دول اخري تخويفا ونزع السلطه ، والبلطجه في المجتمع لها صور عديدة ربما يكون تعطيل مصالح العباد من الموظفين لاخذ مقابل كنوع من البلطجة ، واعتراض الناس في الطرقات وفي اعمالهم نوع من البلطجة، وان يضع الرجل في منصب ليس يستحقه نوع من البلطجه ، واستعمال الرشوة للضغط علي حقوق الإنسان نوع من البلطجه ، اعتراض الحرية علي الانسان نوع من البلطجه ، إهمال المتفوقين واصحاب الخبرات واصحاب العلم في جميع التخصصات نوع من البلطجه ، تمرد الزوجه علي زوجها والعكس نوع من البلطجه ، التعدي علي حقوق الغير في جميع المجالات نوع من البلطجه ، اكل حقوق الناس نوع من البلطجة ، اهمال الموظف في جميع التخصصات في عمله نوع من البلطجه ، تكلف الناس زيادة عن طاقتها نوع من انواع البلطجه ، معني البلطجة الجوهري في الاسلام هو الفساد في جميع المجالات وعلي جميع الاصعدة وحذر الاسلام من الفساد بعقوبات شديدة لكي ينظف المجتمع من كافه انواع الفساد في جميع المجالات :قال تعالى:     ﴿ *إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* ﴾ [المائدة: 33]، وقال تعالى: ﴿ *فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* ﴾[محمد: 22]،﴿ *وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ* ﴾ [البقرة: 205]، ﴿ *أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا* ﴾[المائدة: 32]، ﴿ *الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ* ﴾ [الفجر: 11 – 12]، ﴿ *إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ* ﴾ [الكهف: 94].

🛑وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (*إن الله قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذَنته بالحرب*) ؛ رواه البخاري.

حرَّمَ اللهُ إيذاءَ المُؤمِنِ بغيْرِ حقٍّ، وتَوعَّدَ المُجترئَ على ذلك بالعِقابِ الأليمِ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَزدادُ التَّحريمُ شِدَّةً، ويَزدادُ الوعيدُ بالعقابِ خُطورةً؛ إذا كان الواقعُ عليه الإيذاءُ أحدَ الصَّالحينَ.

وفي هذا الحديثِ القُدسيِّ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: «مَن عادى لي وَلِيًّا»، أي: ألحق الأذى بوَليٍّ مِنَ أولياءِ اللهِ، والوَلِيُّ: هو المُؤمِنُ التَّقيُّ، العالِمُ باللهِ تعالَى، المواظِبُ على طاعتِه، المُخلِصُ في عِبادتِه. وهو أيضًا مَن يَتولَّى اللهُ سُبحانَه وتعالَى أمْرَه ولا يَكِلُه إلى نفْسِه لَحْظةً، بلْ يَتولَّى الحقُّ رِعايتَه، أو هو الذي يَتولَّى عِبادةَ اللهِ وطاعتَه، فعِباداتُه تَجْري على التَّوالي مِن غيْرِ أنْ يَتخلَّلَها عِصيانٌ .
فمن عادى وَلِيَّ اللهِ، فقدْ أعلَنَ اللهُ سُبحانَه الحربَ عليه، وهذا فيه الغايةُ القُصوى مِنَ التَّهديدِ؛ إذ مَن حارَبَه الله وعامَلَه مُعاملةَ المحارِبِ، فهو هالكٌ لا مَحالةَ، ومَن يُطيقُ حرْبَ اللهِ؟!

وفي القرآن العظيم حديث عن الفساد في أكثر من خمسين آية كلها تحذر من الفساد والإفساد بجميع صوره وشتى أشكاله ، والتحذير من الفساد جاء عاماً، للتحذير من كل صور الفساد، ولم يخصص نوعاً من أنواع الفساد؛ حتى يبتعد المسلمون عن جميع الصور والأشكال ، وفي مطلع سورة البقرة أول سورة في القرآن الكريم رد على أهل الفساد الذين يزعمون الإِصلاح فقال جلا وعلا عن المنافقين: ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ  [البقرة:11] فهم يرون عملهم وإفسادهم إِصلاحاً )

أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ( [البقرة:12]. وفرعون سمى دعوة موسى عليه السلام فساداً )

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (غافر:26) وهذا كما يقال في المثل: صار فرعون مذكراً يعني : واعظا ، يشفق على الناس من موسى عليه السلام.!

وأعظم فساد هو فساد الدين والعقيدة بالإشراك بالله تعالى ، قال تعالى: ) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ( [يونس: 40]. قال ابن القيم رحمه الله: ” وَمَنْ تَدَبَّرَ أَحْوَالَ العَالَمِ وَجَدَ كُلَّ صَلَاحٍ فِي الأَرْضِ سَبَبُهُ تَوْحِيدُ اللهِ وَعِبَادَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُلَّ شَرٍّ فِي العَالَمِ وَفِتْنَةٍ وَبَلَاءٍ وَقَحْطٍ وَتَسْلِيطِ عَدُوٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ سَبَبُهُ مُخَالَفَةُ رَسُولِهِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَى غَيْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ”
🛑قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري: يعني تعالى ذكره بقوله: ” ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ” ، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الآية : ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض ، وما أضره بعد الإصلاح ! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ، ثم وقع الإفساد بعد ذلك ، كان أضر ما يكون على العباد . فنهى الله تعالى عن ذلك أ . هـ .

فالإفساد في الأرض يكون بعمل المعاصي: (بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) بالطاعات، فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ، كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة.

ومن الفساد الذي فشا بين العباد الفساد الاجتماعي ومن صورة عقوق الوالدين وقطيعة الرحم وعدم وصلها قال تعالى: )فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ( [محمد: 22].

ومن الفساد الاجتماعي التكبر والتعالي على الناس، والافراط في الفرح والأشر والبطر ، قال الله تعالى في قصة قارون: ) إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )
وسفك الدم الحرام بغير حله من صور الفساد، ولذا قالت الملائكة : ) أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ( ، وقتل النفس بغير حق من كبائر الذنوب؛ قال صلى الله عليه وسلم « لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ] ، بل وحتى الكافر المعاهد والمُسْتَأْمَنُ بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمة قتله فقال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ].

والسحرُ إفساد فقد سمى الله عز وجل فاعله مفسدًا فقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ ﴾، وسمى الله عمل السحرة والسحر بأنه عمل المفسدين، وذلك لما يترتب عليه من فساد الأسر والتفريق بين الزوجين وخراب البيوت.

ومن أسباب الفساد تأخير زواج الفتاة وعضلها ومنعها من كفئها وتغير معايير اختيار الخاطب بالنظر إلى وجاهته ومنصبه لا إلى تقواه وتدينه، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» أخرجه الترمذي
ومن الفساد الغش في البيع ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم على صُبْرَةِ طعام فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنِّي» [أخرجه مسلم].

ومن صور الفساد الاعتداء على الأموال والممتلكات العامة والخاصة والاختلاسات وقبول الرشوة وهدايا العمال واستغلال المناصب للمصلحة الذاتية، وهذا كله فساد وخيانة للأمانة، وقد وبخ النبي صلى الله عليه وسلم من يستغل منصبه وعمله في استجلاب منافعه الخاصة، فقال: «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي، يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ » [أخرجه البخاري].

وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول؛ لأنه خان في ولايته وأمانته، وقد بين صلى الله عليه وسلم السبب في تحريم الهدية عليه، وأنها بسبب الولاية بخلاف الهدية لغير العامل، فإنها مستحبة، وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي حميد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ) فقد جعل صلى الله عليه وسلم أخذ هدايا العمال وأصحاب الولايات والوظائف من الغلول والخيانة، وفي هذا إبطال كل طريق يوصل إلى تضييع الأمانة بمحاباة المهدي، لأجل هديته كما ذكره أهل العلم.

وكم يفتك الفساد والخيانة بالمؤسسات العامة والخاصة ومظاهره أكثر من أن تحصر؛ ففي التعليم يكون باللامبالاة بالغش وتزوير الشهادات ، وانتحال الألقاب العلمية، فينتج جيل جاهل ألف الكسل والاتكالية ليس أهلا للقيادة وتصريف الشؤون، وفي الطب والدواء بالإهمال وسوء خدمة المرضى، وفي المقاولات والبناء بالغش والخداع في الأداء والعمل فتتعطل المصالح وتتضرر الأرواح ؛ وليعلم أن تزوير التقارير والشهادات الطبية والعلمية والهندسية داخل في شهادة الزور وتضييع الأمانة.

والإسراف ومجاوزة الحد في الغي والتمادي في المعاصي إفساد قال تعالى على لسان موسى عليه الصلاة والسلام ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ ومن صور الفساد فساد الأخلاق في أوساط الشباب والفتيات بسلوك طرق الغواية ومسالك الردى والخمور والمخدرات والاختلاط والمعاكسات، واصلاح ذلك بإيلاء الشباب عناية فائقة بإحسان التربية والتعليم وشغل فراغهم بالمفيد والنافع وتنشئتهم على طاعة الله.
ومن مظاهر الفساد الغش في التعليم والتدريب وتزوير الشهادات، وانتحال الألقاب العلمية، فينتج جيل جاهل ألف الكسل والاتكالية ليس أهلا للقيادة وتصريف الشؤون، ومما يعطل المصالح ويضر بالأرواح الإهمال وسوء الخدمة في المرافق، والغش في الغذاء والبناء والمقاولات.

ومن صور الفساد فساد الأخلاق في أوساط الشباب بسلوك طرق الغواية ومسالك الردى، واصلاح ذلك بإيلاء الشباب عناية فائقة بإحسان التربية والتعليم وشغل فراغهم بالمفيد والنافع وتنشئتهم على طاعة الله.

وبعد عباد الله فإن جريمة الفساد من أخطر الجرائم التي تعود سلباً على الفرد والمجتمع؛ لما ينتج عنها من تعطل المصالح وتهديد الأخلاق وإسقاط الحقوق، والواجب محاربة الفساد، والابلاغ عنه بالطرق المتاحة، وبذل النصح والتواصي بالحق، وإلا أُخِذَ العامة بذنب الخاصة؛ قالت زينب رضي الله عنها: «يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» [متفق عليه].
وفي الحديث التي راوته عائشه ام المؤمنين:
(*يَكونُ في آخِرِ هذِهِ الأمَّةِ خَسفٌ ومَسخٌ وقَذفٌ ، قالَت: قُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ، أنَهْلِكُ وفينا الصَّالحونَ ؟ قالَ: نعَم إذا ظَهَرَ الخبَثُ*)رواه الترمزي
إذا ظهَرَت في هذه الأُمَّةِ بعضُ المعاصي والآثامِ، فإنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يُعاقِبُها ببعضِ ما عاقبَ به الأُمَمَ الهالكةَ؛ زجْرًا لتلك الأُمَّةِ أنْ تأخُذَ طريقَ العِصيانِ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: “يكونُ في آخِرِ هذه الأُمَّةِ خسْفٌ”، وهو الهُبوطُ الَّذي يقَعُ بجُزْءٍ من الأرضِ، “ومسْخٌ”، وهو تحويلُ الصُّورةِ وتبْديلُها إلى أقبَحَ منها، كما مُسِخَت بنو إسرائيلَ قِردةً وخنازيرَ؛ قيل: والمرادُ بالمسْخِ هنا على ظاهرِه لِمَن أراد اللهُ أنْ يُعجِّلَ له العُقوبةَ في الدُّنيا، “وقذْفٌ”، وهو الرَّمْي بالحِجارةِ كما حدَثَ لقومِ لوطٍ.
قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: “قلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أنهلِكُ وفينا الصَّالحون؟”، أي: وهلْ يقَعُ مثْلُ هذا العذابِ على الأُمَّةِ وفيها من الصَّالحين؟ “فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نعمْ، إذا ظهَرَ الخبَثُ”، أي: كثُرَ، والمُرادُ بالخبَثِ: الفُسوقُ والفُجورُ والمعاصي، والمعنى: أنْ يكثُرَ أهْلُ الفَسادِ على أهلِ الصَّلاحِ، وفي حديثِ عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ رضِيَ اللهُ عنه عندَ التِّرمذيِّ: “فقال رجُلٌ من المُسلمين: يا رَسولَ اللهِ، ومتى ذاك؟ قال: «إذا ظهَرَتِ القَيْناتُ والمعازِفُ، وشُرِبَت الخُمورُ”.
وفي الحديثِ: عِظَمُ الذُّنوبِ في آخرِ الزَّمانِ، وعِظَمُ عُقوبتِها
ان ظاهرة البلطجه في المجتمع هي ظاهرة الفساد الذي انتشر واستشري في الامة الاسلامية والعربية فينبغي ان تقوم حدود الله علي هؤلاء المفسدون في الارض وان تكون الحدود علي الجميع ففي الحديث النبوي التي رواته عائشه ام المؤمنين: (*أن قريشًا أهمهم شأنُ المخزوميَّةَِ التي سرقت فقالوا من يُكلِّمُ فيها؟ قالوا من يَجترِئُ عليه إلا أسامةُ بنُ زيدٍ حِبُّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم فكلَّمَه أسامةُ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم: إنما هلك الذين من قبلِكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمَ اللهِ لو سرقت فاطمةُ بنتُ محمدٍ لقطعتُ يدَها*)
صحيح النسائي
الإسْلامُ دِينُ العَدلِ والقِسطِ، وعَدمِ المُحاباةِ لأحَدٍ على حِسابِ أحَدٍ، وقدْ حدَّ الشَّرعُ الحَكيمُ حُدودًا، ثمَّ أمَرَ الجَميعَ أنْ يَلتَزِموا بها.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي التَّابِعيُّ عُرْوةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ امْرأةً -واسمُها فاطمةُ المَخْزوميَّةُ- سرَقَتْ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوةِ الفَتحِ في العامِ الثَّامِنِ منَ الهِجْرةِ، ففزِعَ قَومُها -أيِ: الْتجَؤوا وذَهَبوا- إلى أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنهما مَوْلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَطْلُبون منه أنْ يَشفَعَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ألَّا يَقطَعَ يَدَها؛ إمَّا عَفْوًا، وإمَّا فِداءً؛ وذلك لمَكانةِ أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنهما عندَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
فلمَّا كلَّمَ أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تلك المَرْأةِ، تلَوَّنَ وَجهُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَعني: ظهَر على وَجهِه عَلاماتُ الغضَبِ، وقال له مُستَنكِرًا: أتُكلِّمُني وتَشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ اللهِ؟! فأجابَه أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه: استَغفِرْ لي -يا رَسولَ اللهِ- ذَنْبَ تَشفُّعي فيما لا عِلْمَ لي به، فلمَّا كان العَشيُّ -وهو آخِر النَّهار، أو مِن الظُّهرِ إلى الصَّباح، وقيل: إلى أنْ تَغيبَ الشَّمسُ- قامَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطيبًا، فأَثْنى على اللهِ بما هو أهْلُه، ثمَّ قال: أمَّا بعدُ؛ فإنَّما أهلَكَ النَّاسَ قَبْلَكم أنَّهم كانوا إذا سرَقَ فيهمُ الشَّريفُ تَرَكوه، ولم يُقيموا عليه الحَدَّ؛ لوَجاهَتِه وشَرَفِه، وإذا سرَقَ فيهمُ الضَّعيفُ -أي: الوَضيعُ الَّذي لا شرَفَ له، ولا أتْباعَ، ولا مَنَعةَ- أقاموا عليه الحَدَّ، أي: قَطَعوه؛ لخُمولِه وسُقوطِ وَجاهَتِه، ثمَّ أقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ الذي بيَدِه النُّفوسَ يَملِكُها، ومنها نفْسُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لو أنَّ فاطِمةَ بِنتَ مُحمَّدٍ سرَقَتْ، لقطَعْتُ يَدَها. وإنَّما خَصَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فاطمةَ ابنتَه بالذِّكرِ؛ لأنَّها أعَزُّ أهْلِه عندَه، ولأنَّه لم يَبْقَ مِن بَناتِه حينئذٍ غيرُها، فأرادَ المبالَغةَ في إثباتِ إقامةِ الحدِّ على كلِّ مُكلَّفٍ، وتَرْكِ المحاباةِ في ذلك، ولأنَّ اسمَ السَّارقةِ وافَقَ اسْمَها رَضيَ اللهُ عنها، فناسَبَ أنْ يُضرَبَ المثَلُ بها. وفيه مُبالَغةٌ في النَّهيِ عن المُحاباةِ في حُدودِ اللهِ تعالَى، وإنْ فُرِضت في أبعَدِ النَّاسِ مِن الوُقوعِ فيها.
ثمَّ أمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتلك المَرْأةِ الَّتي سرَقَتْ فقُطِعَتْ يَدُها، ثمَّ صدَقَتْ في تَوْبتِها بعْدَ ذلك وتزَوَّجَتْ، قيلَ: تزَوَّجَتْ رَجلًا مِن بَني سُلَيمٍ.
وتُخبِرُ أمُّ المؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ هذه المَرْأةَ كانت تَأْتيها بعْدَ ذلك، فتَرفَعُ حاجَتَها إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَقْضيها لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عنِ الشَّفاعةِ في الحُدودِ إذا بلَغَتِ السُّلطانَ.
وفيه: تَرْكُ الرَّحمةِ فيمَن وجَبَ عليه الحَدُّ.
وفيه: أنَّ شرَفَ الجاني لا يُسقِطُ الحَدَّ عنه.
وفيه: أنَّ أحْكامَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَستَوي فيها الشَّريفُ والوَضيعُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى