محمد الزيني يكتب : هل يتعلم طارق عبد الشافي الدرس وينجو بجنوب القاهرة

نحن في دولة يحكمها القانون، لكننا نحتاج أحيانا مع القانون أن نأخذ على يد الظالم بالحزم والقوة.
فالعراق التي أتاها أكثر من حاكم في عهد الدول الأموية كان أهل العراق يقذفونه بالحجارة، فيرجع للخليفة باكيا ومعتذرا، أنه لن يستطيع أن يحكم تلك المدينة وأهلها، إلى أن جاء لهم الحجاج بن يوسف الثقفي فحكمها بالقوة والحزم فدانت له البلاد وخضعت، وكأن صورة العراق القديمة تعود من جديد ممثلة في شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء، وجاءت الجهات الرقابية فضربت بيد من حديد على المختلسين والمرتشين لا تستثني أحدا.
تخيل معي صديقي القارئ أن كل ما في تلك الشركة من مخالفات، وما ثبت من سرقات واختلاس ورشاوى، حدث ذلك رغم وجود خمس إدارات للمراقبة، أولها: المراجعة الداخلية وبها ما لايقل عن 15 محاسبا وثانيها: التفتيش الفني والتجاري وبه ما يقرب من 30 موظفا من المحاسبين والمهندسين ، وثالثها: المكتب الفني وبه ما لا يقل عن 10 من كبار المهندسين ورابعها: التفتيش الفني قطاعي القاهرة والجيزة وبه 8 مهندسين وخامسها: قطاع التفتيش الفني ومراقبة الأداء وبه مايقرب من 30 محاسبا ومهندسا.
لك أن تتخيل صديقي القارئ أن هذا الجيش من المراقبين والمفتشين والمتابعين لأداء الشركة، وما يخدم عليه من أسطول من السيارات وما أدراك ما السيارات وبونات البنزين والزيت وصيانة السيارات واستبدال السيارات بموديل العام لحاجه العمل.
ليتك أيها الرئيس الجديد للشركة أن تضم لهذا الأسطول من المراقبة إدارة جديدة اسمها مراجعة التكاليف لترى أن 15% من الرفاهيات تنفق على مديري العموم، فما بالك برؤساء القطاعات، فهذه الإدارة لو تم إنشاؤها في هذا الخضم من المراقبات العبثية لن تخسر شيئا بل ستكشف لك عن أولويات الإنفاق وتكون بمثابة الفلتر للمخرجات والمصاريف النثرية التي تعد بعشرات الملايين توفرها وتضعها في حصالة الشركة وقت احتياج الشركة القابضة لها.
أقول ذلك لأني عاصرت من خلال تغطيتي الصحفية لشركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء ثلاث رؤساء بأحداث ووقائع ، تم الكشف عنها فكان تعاطي وتعامل كلا منهم يختلف عن الآخر تماما، وهذه شهادتي موثقة بما تم نشره في عهد كل منهم.
وكان أولهم المهندس حسام عفيفي والذي يشغل حاليا رئيس شركة شمال القاهرة عرضت عليه في أواخر عهده لرئاسة شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء حادثة لو عرضتها على وزير الكهرباء لأقام الدنيا، وهي أن منطقة بأكملها تابعة لشركة جنوب القاهرة بها عدادات للشركة ويتم تحصيل الايصالات منها، ولم تكن مسجلة على سيستم الشركة، ولا تعلم الشركة عنها شيئا، وكانت شاهدة على الواقعة الاستاذة منال نائب القطاعات التجارية وقتها ، فتعامل المهندس حسام بطريقته المعروفة عنه أنه لا يستطيع أن يبت في هذا الملف، واتركه حتى أتم مدتي في الشركة بسلام، ولن أتكلم في الامر بخير أو شر، ومثله ما كان يمارسه بعض من كبار المشتركين من بلطجة في تراكم الديون عليهم، ومضى الوقت، ودفنت تلك الملفات في الأدراج حتى أتم المهندس حسام مدته في الشركة، وتمت مكافأته بأن أصبح رئيسا لشركة شمال القاهرة.
وورث تلك التركة من الكوارث المحاسب محمد السيسي, والحقيقة التي عاينتها: أني عرضت عليه نفس المشكلة التي دفنها من كان قبله، فاستشاط غضبا، واستدعى أمامي الاستاذة منال وقال لي اعرض عليها الأمر، فقلت له: هي تعرفه جيدا لأننا تناقشنا فيه مع رئيس الشركة السابق، وأشهد أن الرجل تصدى للكارثة بكل قوة، وطلب احصاء لكل تلك الحالات، وفتح تحقيقا كبيرا، وتم فيه فصل من ثبتت عليهم تهمة السرقة والتزوير باسم الشركة، وقنن أوضاع الأهالي، كما يحسب للرجل أنه دخل عش الدبابير لكبار المشتركين، واستطاع تحصيل “الفلوس الميتة” كما أتذكر أني أرسلت له إحدى الوقائع فطلب فيها خروج 60 محققا يحققون في الواقعة، وبعدها رد علي بأن الواقعة صحيحة وتم تحويلها للشئون القانونية، ليأخذ المقصر جزاءه، ومن المؤكد أن المحاسب محمد السيسي كانت له إخفاقات في بعض القرارات والتقديرات، لكن ما يحسب له أنه لم يكن مرتعش اليد وإنما كان شجاعا يتخذ القرارات ويواجه المشكلات، ولا يدفن الملفات في الأدراج ليتركها لمن بعده.
أما المهندس مدحت فودة فكانت بداياته مبشرة فالرجل كان لا يخجل من مواجهة الأخطار، لكنه كان كثير الجلوس في مكتبه، قليل الزيارات الميدانية، ولم يشكل فريق عمل، بل ترك غيره يشكله له، ونسي أو تناسى أن المسئول لاينجح وحده، بل ينجح بفريق عمل يعملون معا وبخطة ورؤية واضحة، وهو أهم مايؤخذ عليه، مما جعله يترك الأرض لبعض الفاسدين والمرتشين الذين قنصتهم يد الجهات الرقابية، أما هو فرغم كل ما حدث إلا أننا نثبت له طهارة اليد ونزاهتها ومهارته الهندسية وخبرته الفنية.
فهل يتعلم عبد الشافي الدرس ويقرأ أخطاء من سبقوه ويدرسها جيدا، كي يحمي نفسه من الوقوع فيها، فشركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء مليئة بالكوادر والفراودة المتميزين في عملهم نظيفي اليد، لكنهم للأسف مهمشين، لا يستعان بهم، لأنهم لا يقبلون إلا ما يرضي ضميرهم مهما خالفهم واضطهدهم الفاسدين، ففتش عنهم، واستعن بهم، حتي تمر بالشركة لبر الأمان، فأهل جنوب القاهرة الشرفاء أدرى بشعابها.
ويبدو أن عبد الشافي بدأ المباراة مبكرا ببهحوم أسفر عن هدف وهو تشكيل فريق عمل متجانس ولم يكتف بمن هم داخل الشركة بل استدعى المحترفين من شركته التي كان أحد أبناؤها وضم إليه اثنان من المحترفين الفراودة فبات لديه ثلاثة من محترفي وفراودة شركة شمال ليكونوا محترفين في شركة جنوب الى جانب ما قام به من تغييرات لبعض القيادات من داخل جنوب نفسها، وما زالت عينه تنشد بعض التغييرات.
نتمنى أن نجد فريقا متجانسا متعاونا، وأن تكون هناك خطة واضحة يدرك فيها كل دوره، ويخدم على زملائه يعملون بروح الفريق الواحد، وأن يستعيدوا الأرض والجولات حتى تكتب أسماؤهم بحروف من نجاح.