Blog

نميرة نجم: مدعى عام المحكمة الجنائية لم يتهم إسرائيل بإغتصاب الفلسطينيات المثبت فى تقارير دولية

 

 

قالت السفيرة د. نميرة نجم خبير القانون الدولى ومحام فلسطين، إنها وجهت عدة تساؤلات حول الاتهامات بالجرائم التى طلب توجيهها المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد 3 من قادة حماس مقابل 2 من المسؤولين الإسرائيليين، وفى مقدمتها التساؤل حول مصير رئيس الأركان الإسرائيلى هرتسى هاليفى باعتباره الشخص المسئول عن توجيه الجيش على الأرض والذى لا تشمله لائحة الاتهام من مدعى عام المحكمة، وهو ما يعكس مدى تردد المحكمة منذ البداية فى هذه الدعوى حيث إنها ساوت بين قادة حماس المتهمين من إسرائيل بقتل حوالى 700 مدنى بينهم 36 طفلاً فى 7 أكتوبر وبين قادة الاحتلال الإسرائيلى الذين قتلوا أكثر من 35 ألف مدنى فلسطينى، من بينهم أكثر من 14 ألف طفل فى 8 شهور، وهو ما يشير إلى أن طلب المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بتوجيه التهم لم يكن متوازنا شكلا وموضوعا.

حيث تضمنت اتهامات لقادة حماس بالتعذيب والاغتصاب، بينما لم نرى هذه التهم ضد القادة الإسرائيليين رغم وجود تقارير صادرة عن أجهزة وخبراء مستقلون فى الأمم المتحدة تشير إلى ارتكاب إسرائيل تلك الجرائم ومنها تعذيب المدنيين والآسرى القدامى واغتصاب النساء الفلسطينيات.

وهنا نتساءل مجددا لماذا خلى طلب الاعتقال من هذه الاتهامات ضد القادة الاسرائيليين؟ وفى نفس الوقت نتساءل لماذا خلى الطلب من اتهام إسرائيل بجريمة القتل العشوائى والإبادة الجماعية فى غزة، علاوة على استعانة المدعى العام للمحكمة الجنائية لدعم طلبه بخبراء قانونيين من أمريكا وبريطانيا فقط على الرغم من أن أعضاء المحكمة الجنائية الدولية 124 دولة ليس من بينهم الولايات المتحدة. 

ونتساءل أيضًا عن أسباب وصف مذكرة الصراع بين إسرائيل وحماس بأنه نزاع داخلى وغير دولى فى غزة؟ وكيف يتم توصيف الاحتلال العسكرى الإسرائيلى باعتباره موجودا على الأقل فى جزء من الأراضى الفلسطينية دون غيرها على الرغم من تأكيد محكمة العدل الدولية فى رأيها الاستشارى حول قضية الجدار العازل بأن جميع الأراضى الفلسطينية محتلة وتنطبق عليها اتفاقيات جنيف.

نحن أمام سابقة قانونية خطيرة لا وجود لها فى القانون الدولى، مؤكدة، على ضرورة معاقبة كل من يتورط فى جرائم ضد الإنسانية دون أى تفرقة ودون محاولة تعديل القانون الدولى من جهة ليس لها الحق فى تغيير قواعده، بضرورة إصلاح المحكمة الجنائية الدولية، موضحة، تاريخ انشائها.

وأكدت السفيرة، أن موقف الولايات المتحدة من المحكمة الجنائية الدولية متقلبًا، مضيفة، أمريكا لم تصدق على ميثاق روما، بل وقعت تحت مظلة المادة 98 من اتفاق روما المنشئ للمحكمة اتفاقات ثنائية مع كافة دول العالم لمنح الحصانة لجنودها، واعتزام الولايات المتحدة إصدار عقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية لن تكون المرة الأولى، حيث قامت سابقاً بعدم السماح لمدعى المحكمة الجنائية السابقة من دخول الولايات المتحدة بسبب فتحها التحقيق فى ملف الجرائم التى ارتكبت فى أفغانستان والتى كان من المتوقع أن يتهم فيها أعضاء من الجيش الأمريكى والبريطانى، موضحة، أن العقوبات الأمريكية ضد المحكمة من شأنه عرقلة مسئوليها من أداء مهامهم.

جاء ذلك أثناء المحاضرة التى ألقتها السفيرة لطلبة القانون الدولى فى جامعة “اوبسالا” السويدية، تحت عنوان “أثر الحرب فى غزة على الهجرة فى أفريقيا”، والتى حضرها سفير مصر فى السويد أحمد عادل وحرمه مروة عاشور، وسفير المغرب فى السويد كريم مدرك، وسفير الجزائر فى السويد صديق سعودى، وسفير لبنان فى السويد حسن صالح.

وأكدت السفيرة فى محاضرتها، أن الولايات المتحدة شريكا فى الحرب على غزة بهدف انعاش الاقتصاد الأمريكى، وفقًا لما صرح به الرئيس الأمريكى بايدن الذى أعلن أن “استخدام احتياطى الذخائر ليس بالأمر السئ لأن أمريكا ستتخلص من جزء من الاحتياطى القديم للبنتاجون، وتعطيه أمريكا لأصدقائها فى إسرائيل وأوكرانيا، وبالتالى يمكن لأمريكا تجديد هذا الاحتياطى وشراء أسلحة جديدة للاحتياط الأمريكى”، مؤكدًا، أن تقديم هذه الأسلحة لإسرائيل وأوكرانيا يساعد الاقتصاد الأمريكى ويوفر للأمريكيين فرص عمل، وإن كنا هنا نتحدث عن خدمة زاوية واحدة من الاقتصاد وهو تدوير رأس مال دافعى الضرائب الأمريكى وتركيزه فى شركات الأسلحة والذخائر المرتبطة بمصالح مباشرة للسياسيين الأمريكيين، وليس بالاقتصاد الأمريكى بأكمله. 

وأضافت السفيرة، علينا أن لا نكون ساذجين للاعتقاد بأن كل شىء يسير بشكل واضح لأننا نتحدث عن صفقات سلاح بمئات المليارات، وهناك أمور يتفق عليها لا تصل للعامة، موضحة، أن صفقات السلاح التى تقدر بمليارات تشتريها الحكومة الأمريكية من شركات الأسلحة  الخاصة الأمريكية، وهذه الشركات حققت أرباحا طائلة من حربى أوكرانيا وغزة، أخذا فى الاعتبار أن تلك الشركات منها من يمول حملة بايدن لانتخابات الرئاسة القادمة، بل وتمول كذلك أعضاء من الحزبين الديمقراطى والجمهورى.

كما لا يخفى على أحد أن بعض أعضاء الكونجرس أنفسهم من الحزبين شركاء فى هذه الشركات، وهناك الكثير من التقارير والأبحاث الأمريكية التى تم إجراؤها عن كيفية سيطرة هذه الشركات على الكونجرس وكيف وجدت طريقها إلى البيت الأبيض وكيف أصبح لها تأثير فى السياسية الأمريكية، وهذه المعلومات منشورة على صفحات الانترنت وليست من مصادر صحفية أو تكهنات.

ولذلك عند الحديث عن سبب استمرار هذه الحرب فى غزة يجب أن نتجاوز الجانب الإنسانى الذى يمسنا ويشغلنا كبشر بضرورة وقف نزيف الدم، ونرى ما وراء الحرب وأن الأمر بالنسبة للسياسيين يتعلق بالمصالح الاقتصادية والشخصية، وهو ما تشير إليه الأرقام بوضوح والأرباح  التى حصلت عليها شركات السلاح الأمريكية من وراء هذه الحرب.

إن إنتاج الأسلحة مستمر منذ أزمة أوكرانيا التى أعقبتها أزمة غزة، حتى وصل الأمر ببعضها بالترويج فى حملات دعائية وإعلانات لتحفيز المواطنين الإسرائيليين والأمريكيين بشراء أسهم بهذه الشركات نظرا للأرباح القياسية التي تحققها من مبيعات السلاح منذ إندلاع حرب أوكرانيا وغزة.

ولا توجد معلومات واضحة ما إذا كان هناك فساد وتربح فى هذه الصفقات فى شراء الأسلحة والذخائر من الشركات الأمريكية الخاصة، ولكن وفقًا لما نشره المفتش العام للبنتاجون، وجد فسادًا واختلاسًا والعديد من الجرائم الأخرى فى الصفقات مع أوكرانيا، هناك 11 شخصًا متهمين وسبعة قيد التحقيق بسبب ذلك، لذلك إن ما يحدث خلف الأبواب المغلقة لسنا متأكدين منه حتى الآن، ولكن الوقت كفيل بتوضيح ما إذا هناك ارتياب ينتاب ويحوم حول هذه الصفقات.

وتابعت السفيرة: هناك 3 آلاف قنبلة أمريكية قذفتها الطائرات الإسرائيلية على غزة فى هذه الحرب ولم تنفجر، ولكن غير معروف فنيا أسباب عدم انفجارها، إذا كان بسبب خلل بها أو إنها تم ضبطها للتفجير لاحقا، أو أنه لم يكن هناك تحقق من صلاحيتها عند شرائها لدوافع متفق عليها لا يعرفها سوى البائع والمشترى سلفا.

وأشارت، إلى أن حرب أخرى تدور على الموارد الطبيعية التى تسعى لها إسرائيل ولذلك لا تريد السماح للفلسطينيين بالعودة إلى شمال غزة، بسبب رغبتها فى الاستيلاء على الغاز والموارد الطبيعية التى تم اكتشافها فى شمال غزة، لذا فإن الأمر يتعلق بخطة إعمار بعد نهاية الحرب بشكل يحقق المصلحة الأمريكية والإسرائيلية.

وأضافت السفيرة، الأمر باختصار أكبر بكثير من مجرد حرب ضد سكان غزة، ولكن أهدافها هى إبادة للبشر والممتلكات والإرهاب لدفع الفلسطينيين للتهجير القسرى من غزة لمصر للاستفادة من موارد القطاع وعدم ترك موردا ماليا يحقق استقلالا حقيقيا للفلسطينين من براثن المساعدات الدولية، وإذا لم يتحقق ذلك فهناك منافع اقتصادية وسياسية لإدارة الحرب واستمرارها. 

من جهة أخرى، نوهت السفيرة بأن حربا غزة وأوكرانيا ستغير قواعد اللعبة على المستوى الدولى، وأن طلب مدعى عام  المحكمة الجنائية الدولية القبض على قادة من حماس وإسرائيليين، يعد انتصارًا صغيرًا للعدالة الدولية، لأن تحقيق العدالة ضد احتلال إسرائيل وجرائمه ضد الفلسطينيين رحلة طويلة، إلا أنها لأول مرة فى تاريخ الاحتلال الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية توجه محكمة دولية أصابع الاتهام ضد النظام الإسرائيلى بالرغم من كل الجرائم التى ارتكبها وما زال، فهذا الطلب ينفى وصف الجيش الإسرائيلى بأنه الأكثر أخلاقية فى العالم كما يردد الإسرائيليين وأصدقائهم.

كما أن الطلب يحرج الحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل، وخاصة أعضاء المحكمة الجنائية  الأطراف فى نظام روما الأساسى المنشئ لها، وهناك صعوبة من التنبؤ بما سيحدث بعد الطلب من قبل المحكمة لتحريك الدعوى، خاصة مع حجم الضغوط الدولية فى هذه  القضية.

أما عن محكمة العدل الدولية، قالت السفيرة: لدينا الآن 3 قضايا أمامها ضد إسرائيل بخصوص فلسطين، القضية الاولى تطلب الرأى الاستشارى من المحكمة بمدى مشروعية استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية.

وأوضحت السفيرة، أن الاحتلال فى حد ذاته قد يكون قانونيا إذا كان لفترة مؤقتة أثناء الحرب لتلبية أغراض حربية، وبعد ذلك على الاحتلال أن ينسحب، إلا أنه فى فلسطين لم يحدث ذلك منذ عهد بن جوريون الذى كان يؤكد على أهمية حصول إسرائيل على أكبر قدر من أرض فلسطين بأقل عدد من الفلسطينين، لذلك لا تريد إسرائيل أن تترك أى جزء من الأراضى الفلسطينية، ولا تريد إقامة الدولة الفلسطينية، ولهذا السبب تم طرح هذا الأمر أمام محكمة العدل الدولية وهو أمر مثير للاهتمام القانونى والسياسى إلا أن الكثير لا يعلمون بأن هذه القضية خضعت للتحضير منذ أكثر من عقدين، وتم التحرك فيها مؤخرًا خلال العام الماضى وقبل 7 أكتوبر الماضى، القتل والتمييز والفصل العنصرى والاستيطان ومحاولات حرمان الشعب الفلسطينى من تقرير مصيره كان وراء هذا المطلب.

وأكدت السفيرة، أن الصراع ما زال يهدد المدنيين فى فلسطين، وأن الحديث عن انتقال المدنيين من رفح إلى مناطق آمنة فى غزة غير صحيح، لذلك خلال جلسات الاستماع لإسرائيل وجنوب أفريقيا فى قضية الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية سأل القاضى الألمانى بالمحكمة “نولته” وكلاء إسرائيل بالمحكمة عن ماهية الإجراءات التى تتخذها إسرائيل للتأكد من أن المدنيين يتمتعون بالأمان؟ وما هو مسارهم الآمن عندما ينتقلون إلى أماكن أخرى خارج رفح؟

وفقاً لأرقام الأمم المتحدة فى 20 مايو 2024، استشهد ما لا يقل عن 35,562 شخصاً، ونحن نتحدث هنا عن 20 مايو ولا أعرف الأرقام الأخيرة حتى الليلة الماضية لأن كل يوم يتزايد أعداد الشهداء المدنيين بشكل مطرد، ولدينا نحو 80 ألف جريح ومصاب ومعاق فى هجمات العدوان الإسرائيلى المستمرة، ووزير الدفاع الأمريكى فى الأول من مارس 2024 ذكر بنفسه بأن 25 ألف إمرأة وطفل قتلوا فى الحرب الإسرائيلية على غزة.

وفى 16 أبريل الماضى، قدرت هيئة نساء الأمم المتحدة UN WOMEN عدد النساء الذين استشهدوا بأكثر من 10 آلاف إمرأة، بما فى ذلك 6 آلاف أم، مما أدى إلى تيتم 19 ألف طفل، وفى 9 مايو كان تقدير اليونيسف أن حوالى 14 ألف طفل استشهدوا، والولايات المتحدة طعنت فى صحة هذه الأرقام لأنها مبنية على أرقام قادمة من وزارة الصحة التابعة لحماس بغزة مما أدى الوزارة لنشر التفاصيل الكاملة للشهداء والضحايا بمعلومات تشمل العمر، والاسم، والنوع والمنطقة التى تم قصفها، وبالتأكيد ما زلنا لا نعرف من هم تحت الأنقاض بالإضافة إلى 10 آلاف جثة لا تزال مجهولة الهوية، بالإضافة إلى أننا نتحدث عن 2.3 مليون شخص تم طردهم من منازلهم فى غزة فقط ولم نتطرق إلى ما يحدث فى القدس والضفة الغربية فى ذات الوقت حيث اعتقلت إسرائيل ما يقرب من 8800 فلسطينى فى الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر فقط غير الأسرى الذين يقبعون فى السجون الإسرائيلية منذ عقود.

وأضافت السفيرة، الآن ونحن نتحدث، مدينة رفح الفلسطينية تستضيف 800 ألف فلسطينى، أى ما يقرب من 99% منهم نازحون وهى تقع على الحدود بين فلسطين ومصر، لدينا مدينة رفح فلسطينية ومدينة رفح مصرية، وأن ما يحدث فى غزة أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا جميعاً، وما يحدث فى فلسطين يلقى بظلاله على الدول الإفريقية، وضحت الرؤية الاستراتيجية تماما لإسرائيل وأن هدفها قتل أكبر عدد من المدنيين فى غزة لإرهاب باقى السكان للهروب من الجحيم بعد تدمير البنية التحتية لغزة بالكامل وإرهاب أهلها للنزوح القسرى نحو سيناء.

وتابعت السفيرة: الاحتلال يريد إلقاء مسؤولية مغادرة السكان للقطاع على دولة أخرى بسبب قصفها لهم، وهذا غير منطقى، ووفقاً للقانون الدولى، تقع على عاتق قوة الاحتلال التى تقصف هؤلاء المدنيين مسؤولية إيجاد مكان آمن لهم لضرب أهدافها التى تعتقد إنها عسكرية، إذا كانوا يلاحقون حماس، فليطاردوا حماس بدلا من ملاحقة ملايين المدنيين وقتل آلاف الأطفال والإدعاء بأن كل طفل فلسطينى يبلغ من العمر أربع سنوات هو جزءا من حماس. 

وتعليقاً على سؤال حول دور وسائل الإعلام الدولية، قالت السفيرة: يجب أولاً الاعتراف بأن إسرائيل قوة احتلال وهذا ما لا يتم ترديده مثلاً على القنوات الدولية، وهو ما يهدف إلى تغيير الحقائق فى ذهن المتلقى، إلا أن الجيل الجديد لديه أدوات التحقق عبر وسائل الاتصال الحديثة ولذلك وصل الحال بالعديد من الطلاب اليهود أن يعارضون ما يحدث لأن الأمر يتعلق بإنسانيتهم، لأنهم لا يريدون أن يوصموا بقبولهم الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل وتستغل فيها الدين لمصلحتها، فالأمر برمته لنا متعلق بالإنسانية، وحكومة الولايات المتحدة لا تعبأ بالقانون الدولى أو المؤسسات الدولية ولا بالرأى العام العالمى، لكنها تهتم فقط بالرأى العام داخلها لذلك تحاول احتواء المظاهرات الطلابية فى جامعاتها الأمريكية وتتبع خطة ممنهجة لاحتواء المظاهرات ومواجهتها والتقليل من شأنها وتأثيرها إعلاميا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى