الانتحار أسبابه وكيفية الوقاية منه

بقلم د : ياسرجعفر
كثير مانسمع ونشاهد حالات يأس تملكتها الهموم والاحزان والعزلة والاكتئاب وساوس النفس والشيطان والشيطان ( قرينك)
أسباب حالات اليأس والهموم والأحزان
والسبب هو الاهمال في فرائض الله ، والاعراض عن طاعه الله قال تعالي ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ) ٱيات واضحه وتحذير لكل من يعرض عن ذكر الله ، ربما يسأل القارئ المُكتئب انت شايف الظلم وشايف غلاء الاسعار وشايف العنصريه في التوظيف وشايف جور الحكام ،وشايف احداث الظلم في كل مكان داخليا ودوليا ، اخي القارئ اعلم جيدا بأن الحكومه والشعب ، كالكبد وانذيماته ، الحكومه الانزيمات ، والشعب الكبد ، اذا اصيب الكبد بالفيروس هترتفع الانزيمات لانها مؤشر باحوال الكبد ! فلو الشعب مش تمام هتنقلب الحكومه علي الشعب ، فينبغي علي الشعوب الالتزام بحدود الله ويلتزم كل إنسان وينصح نفسه واسرته والمحيطين به ، اما الوصول للانتحار بانواعه فهو القنوط من رحمة الله ، وفي الحديث الشريف:( من قتَلَ نفسَهُ بحديدةٍ جاءَ يومَ القيامَةِ وحديدتُهُ في يدِه يتوجَّأُ بِها في بطنِهِ في نارِ جَهنَّمَ خَالدًا مخلَّدًا أبدًا ، ومن قَتلَ نفسَه بسُمٍّ فَسمُّهُ في يدِه يتحسَّاهُ في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مخلَّدًا)
وفي روايه اخري 🙁 مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)
ما أهمية حفظ النفس ؟
حِفْظُ النَّفسِ مِن المَقاصدِ العُليا للشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، وقَتلُ النَّفسِ بغيْرِ حَقٍّ مِن أكْبرِ الكَبائرِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَريصًا على زَجْرِ المُسلمِ عنْ قَتلِ نَفسِه.
وفي هذا الحَديثِ يروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قالَ: « مَن تَردَّى مِن جَبلٍ»، أيْ: وقع من فَوقِه مُتعَمِّدًا فمات، فَهوَ في نارِ جَهنَّمَ يَتردَّى فيها خالِدًا مُخلَّدًا أبدًا؛ جزاءً وِفاقًا لعَمَلِه.
« وَمَن تَحسَّى» أيْ: تَجرَّع أو شرب « سُمًّا فَقتَلَ نَفسَه» أيْ: تَعمَّدَ ذَلكَ، فسُمُّه في يَدهِ يَتَعاطاهُ ويَتجرَّعُه في نارِ جَهنَّمَ خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا.
« ومَنْ قَتلَ نَفسَه بحَديدَةٍ» أيْ: طَعَنَ نَفْسَه بسِلاحٍ أو غَيرِه، فَحَديدَتُه في يَدِه يَطْعُنُ بها في بَطنِه في نارِ جَهنَّمَ خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا.
وقولُه: « خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا» مَحْمولٌ على مَن فَعَل ذلِك مُستحِلًّا له مع عِلْمِه بالتَّحريمِ، أو على أنَّه يَعْني طُولَ المُدَّةِ والإقامةِ التي يُخلَّدُ فيها قاتلُ نفْسِه إنْ أُنفِذَ عليه الوعيدُ، ولا يَعنِي خُلودَ الدَّوامِ؛ إذ قَتْلُ النَّفسِ -دونَ استِحلالٍ لذلك- هو ذَنبٌ وكبيرةٌ مِنَ الكبائِرِ، وليس كُفرًا مُخرِجًا مِنَ المِلَّةِ.
وفي الحَديثِ: الوَعيدُ الشَّديدُ لِمَن قَتَلَ نَفْسَه.
وفيه: أنَّ نَفْسَ العَبدِ ليست مِلكًا له؛ فليس له أن يتصَرَّفَ فيها بغيرِ إذنِ مالِكِها سُبحانَه وتعالى.
الانتحار من كبائر الذنوب
فإن الانتحار من كبائر الذنوب، وعلامات سوء الخاتمة، والمُقدِمُ عليه يُخرج نفسَه من ظلمة نكد العيش في هذه الدنيا -على حد زعمه- فإذا هو يُدخلها في ظلمات العذاب في الآخرة، وأولها ظلمة القبر وشدة عذابه، ثم ظلمات جهنم وما يلاقيه من العذاب الشديد، جزاء بما اقترفت يداه
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط). رواه مسلم
ربما يسأل القارئ ويقول ان الحكام لهم دور في بعض الفساد، نعم ربما يكون هناك حكام فسده ولكن ، اخي القارئ كثير جدا من الشعوب كانوا هم اصحاب الفساد وكانوا مع انبياء ، للاسف الشعوب تميل للفساد في جميع نواحي الحياه العمليه من مكر وخداع وخبث وخيانه وكذب ولف ودوران وقلوب مريضه بالحسد والحقد والطمع والميل الي اللهو ناهيك عن الضرر بينهم وبين بعض ، ناهيك عن بعدهم عن طاعه الله ولو نظرنا في واقعنا تجد ان الشعوب هي التي تصنع الفساد وتشجعه وتميل الي افكار مسرطنه تنشر الفكر المدمر للعقول ، مثال توضيحي ، فلو نزلنا اعلان وقلنا ان هناك ندوه دينية للشيخ العلامة شيخ الازهر فلان ، وهناك ندوه فيها شخص يطلقون عليه فنان فلان سواء في التمثيل او الغناء او راقصه من الامور الهزلية المضيعه للوقت ، فتجد الاقبال من الشعوب علي الامور الهزليةويتركون علماء الازهر والدين الذي يصلح حالهم ، وهعرض نبذه خفيفه لبعض الانبياء مع شعوبهم فاالاصلاح ينبغي من الشعوب اولا : والحكام ثانيا :
( نوح عليه السلام) أنه اشتكى إلى ربه عز وجل ما لقي من قومه وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً وما بيَّن لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم، فقال ( رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراَ) أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالاً لأمرك وابتغاءً لطاعتك ( فلم يزدهم دعائي إلاَّ فِرَاراً) أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فرّوا منه وحادوا عنه ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم) أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه..)
فكان عاقبتهم أن الله عز وجل أغرقهم بسبب كثرة ذنوبهم وعتوهم وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم، وعدم إحترامهم له وكان معروفاً بينهم بالعلم والخلق الرفيع والمعاملة الحسنة، فلم يكن لهم من معين ولا مغيث يدفع عنهم نقمة الله عليهم، فكان الخراب والدم
( قوم إبراهيم وتكذيبهم رسولهم عليه السلام):
فرسول الله إبراهيم عليه السلام هو الآخر لم ينزله قومه حق منزلته بل كذبوه وحاربوه ووقفوا أمام دعوته، فكان عاقبتهم أن دمرهم الله عز وجل وخرب ديارهم، فكانوا عبرة لغيرهم، وقد قص القرآن علينا في أكثر من موضع تفاصيل حالهم مع نبي الله إبراهيم، ولاسيما سورة العنكبوت فقد فصلت في حاله مع قومه، نذكر منها:
( قال الله تعالى): ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [العنكبوت: 16] ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 24، 25]. فهذه الآيات تكفي كدلالة إلى ما حل بهم من دمار وخراب بسبب طغيانهم وعدم اعترافهم به عليه السلام.
( قوم لوط وتكذيبهم نبيهم عليه السلام)
وأما نبي الله لوط عليه السلام فقد واجه من قومه كل أنواع السخرية والاستهزاء، لأنه نصحهم بترك المنكر الذي كانوا عليه من اتيان الذكران من العالمين، ولم يكن هذا الفعل له سابقة في الأمم السالفة، وكذلك نهاهم عن قطع الطريق، وفعل المنكر في ناديهم جهاراً نهاراً، قال الله تعالى مبيناً ما كانوا يفعلون: ﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَومِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنْكَرَ فَمَا جَوَابَ قَومِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين ﴾ [العنكبوت: 28، 29]، فلم يكن بمقدور هذا النبي الكريم من قوة إلاَّ أن يتوجه إلى الله عز وجل بالدعاء وطلب النصرة في القضاء عليهم بعد أن استنفد كل ما لديه من وسائل الدعاية والتوجيه والنصح والإرشاد ﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾[4]، فاستجاب الله دعاءه فقطع شأفتهم، لأنهم لم ينزلوا هذا النبي منزلته قال تعالى: ﴿ إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانوا يَفْسِقُونَ ﴾[5]، ونوع العذاب الذي سلطه الله عليهم أن جعل أعلى قريتهم أسفلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل منصود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد، أي وما هي من الذين يعملون نفس العمل ببعيد!!
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ }
” إذا أردت أن تغير ما بك من الكروب، فغير ما أنت
فيه من الذنوب”
التفاضل أساس التقوى بين الناس
لقد جَعَلَ الله سبحانه وتعالى التفاضُلَ بين الناس على أساس التقوى، وجَعَلَ التفاضل بين المؤمنين المتقين بالأخلاق ومدى التزامهم بها، وممارستها سلوكًا في الحياة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((أكْمَلُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا))؛ ، بل رتَّب عليه الصلاة والسلام الجزاءَ الأوفَرَ يومَ القيامة لمن حسُن خُلُقُه؛ فقال: ((إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا))؛ [رواه البخاري]، والمسلم بدون أخلاق لا ينتفع بعبادة أو عمل صالح، إذا لم يكونا سببًا في تزكية أخلاقه وسلوكه، ومعاملته مع الخَلْقِ مِن حوله.
ولذلك ينطلق المسلم من محراب العبادة والطاعة والمناجاة ومعاملة الخالق سبحانه وتعالى، إلى محراب الحياة وميدانها، ليتعامل مع الخَلْقِ، وهذه سُنَّة الله في خَلْقِهِ؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، فكان من لوازم معاملة العبد لربِّه، وقيامه بواجباته التعبُّدية، والتزامه بشرعه، أن يُحسِنَ معاملة خَلْقِهِ، فالسلوك الحسن والمعاملة السليمة عنوان على صاحبها، وبرهان على صدق إيمانه، وعمق إسلامه، ومدى تخلُّقه بأخلاق الإسلام، ومبادئه السمحة، ثم إن الغاية المنشودة من العبادات في الإسلام هو تزكية النفس الإنسانية، وتوثيق صلة الإنسان بخالقه، وبالناس من حوله، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلا يوجد تعدٍّ ولا ظلم ولا بغي؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وبالزكاة تَتَرَعْرَعُ الأُلْفَةُ بين القلوب، وينمو الإحسان بين الناس، وتتطهَّرُ النفس؛ قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، وبالصوم يتمرَّس الإنسان على الصبر وسائر خِصال التقوى والبِرِّ، وبالحج تتمُّ سائر الفضائل الدينية التي تغرِسها مناسكه في قلب المسلم؛ قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، وكذلك ذِكْر الله وقراءة القرآن والدعاء وغيرها من العبادات تربِط المسلم بخالقه، وتزيد في تقوية إيمانه، وتهذيب سلوكه، وتزكية أخلاقه، وهكذا تُثْمِر العبادات في الإسلام ثمرتها، وتُؤتي أُكُلَها، إذا صدَقَتْ نِيَّةُ صاحبها، وارتوت منها أحاسيسه.
إنَّ الأخلاق ليست سلوكيات مجردة، فرضتها الأعراف والتقاليد، أو فرضها الواقع لحاجته إليها، بل هي عبادة لله في دين الإسلام، يترتب عليها الأجر والمثوبة، والجزاء والحساب، والجنة والنار، بل تعتبر علامة على كمال الإيمان عند الفرد المسلم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا))؛ [السلسلة الصحيحة للألباني: 284]، وجَعَلَ الإسلام تربيةَ الناس وتزكيتهم على الأخلاق الحسنة، والقِيَمِ العظيمة من مهامِّ الأنبياء والرُّسُلِ، وهدفًا رئيسًا من أهداف الرسالات السماوية؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم: ((إنما بُعِثْتُ لأتمِّمَ مكارم الأخلاق))؛ [البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا))؛ [السلسلة الصحيحة للألباني: 791]، وبالأخلاق والتزامها سلوكًا في واقع الحياة يدرك المؤمن درجاتٍ عالية في مراتب العبادة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن لَيُدْرِك بحُسْنِ خُلُقِهِ درجةَ الصائم القائم))
أيها المؤمنون، لقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أهميةَ الأخلاق والمعاملة الحسنة في نجاة العباد يوم القيامة؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وسبَّ هذا، وقذف هذا، وأكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دماء هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم، فطُرحت عليه ثم طُرح في النار))؛ [رواه مسلم] لقد رسب هذا المفلس وفشل بسبب المعاملات لا بسبب العبادات، ونال درجة النجاح في امتحان العبادات
فيأتي وقد شتم هذا)، وهذه معاملات، (وأكل مال هذا)، وهذه معاملات، (وضرب هذا)، وهذه معاملات، في ختام الحديث: ((*يُعطَى هذا من حسناته وهذا من حسناته… ثم طُرح في النار))، إن رسوبه في المعاملات قضى على نجاحه في العبادات، وهذا الرسوب والفشل نهايته النار، والعياذ بالله.