مقالات

النصف الثاني من رمضان.. فرصة أخيرة للعتق والمغفرة

بقلم: د. ياسر جعفر

يهلّ علينا شهر رمضان محمّلًا بالنفحات الإيمانية والفرص العظيمة للتقرب إلى الله، فهو موسمٌ للعبادة والتغيير والتجديد الروحي.

ومع تقدّم أيامه، تزداد قيمته وتتعاظم مسؤوليتنا في اغتنامه على الوجه الأكمل، خاصة في نصفه الثاني، حيث تُكتب الخواتيم وترتفع الدرجات. فكيف يمكن للمؤمن أن يستثمر ما تبقى من هذا الشهر الفضيل؟ وما المطلوب منه ليخرج منه مغفور الذنب، مضاعف الأجر، مقبول العمل؟ هذا ما سنتناوله في السطور القادمة.

فرمضانُ سُوقٌ انتَصَبَ ثم انْفَضّ، رَبِحَ فيه مَن رَبح، وخَسِرَ فيه مَن خَسِر. رَبِح فيه الصائمون القائِمون، الذاكِرون، السّابقون بالخيرات. وخَسِرَ فيه الغافِلون، السّاهُون، اللَّاهُون، المقَصّرون.

فهنيئًا لمن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، فغُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه. وهنيئًا لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، فغُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه. وهنيئًا لمن قام ليلةَ القدْرِ إيمانًا واحتسابًا، فغُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه.

هنيئًا لمن قضى أيام رمضان في طاعة الله، وأحيا لياليه في مرضاته، وهنيئًا لمن خرج من رمضان وقد تطهَّر قلبه من كل الأمراض والأدران، وتعودت نفسه على الطاعة والمعروف والإحسان، وتغيَّرت حاله إلى أحسن حال، هنيئًا لمن خرج من رمضان وقد غُفِرَتْ ذنوبه، وكثرت حسناته، ورُفِعَتْ درجاته، وأُعْتِقَتْ رقبته.

هنيئًا لمن قبِله ربُّه وقرَّبه وأدْناه، ومن كل خير وجميل حلاَّه، ويا حسرتاه على من أبعده ربه وردَّه، ومقته وقلاه، يا حسرتاه على من ضيَّع أيام رمضان ولياليه في لهو ولعب، أو في نوم وكسل، أو في معاصٍ وذنوب.

يا حسرتاه على من خرج من رمضان كما دخله، بذنوب غير مغفورة، وأعمال غير مقبولة، ما المطلوب من المؤمنين في النصف الثاني من رمضان؟!

ولذلك يجب أن نختم هذا الشهر العظيم بخاتمةٍ حسنةٍ، وننهيه بالعفو والمغفرة والعتق من النيران. كما يجب أن نتوجَّه إلى الفقراء والمساكين واليتامى، فهؤلاء الضعفاء هم سبب الخير والنصر والرزق لمن أراد الرزق الوفير والنصر العظيم.

كما أن علينا جميعًا ألا ننسى هؤلاء، بل يجب أن يتكاتف الجميع، وأن يُصبَّ الخير عليهم صبًّا، ليكون رمضان متوجًا بالعطف عليهم، ومساعدتهم، وتلبية حوائجهم. قال رسول الله ﷺ:

(رَأَى سَعْدٌ رضي اللهُ عنه أنَّ له فَضْلًا علَى مَن دُونَهُ، فَقالَ النَّبيُّ ﷺ: هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ؟!) [صحيح البخاري]

كان النبي ﷺ معلمًا رحيمًا، ومؤدبًا رفيقًا، ومربيًا حليمًا. فكان إذا رأى خطأً من أحدٍ من أصحابه، صوَّبه برفقٍ، وأرشده إلى الخير.

وفي هذا الحديث، يروي مُصعب بن سعدٍ أنَّ سعدَ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه رأى أن له فضلًا على من دونه من الضعفاء لقوته وشجاعته في الغزوات، فذكَّره النبي ﷺ بفضل هؤلاء الضعفاء، وأن الله يرزق المسلمين وينصرهم بسبب دعائهم.

لذلك، يجب علينا جميعًا ألا نغفل عن إخواننا الفقراء والمحتاجين، وألا ننسى زكاة الفطر، فهي فرحة لهم، وتجلب السرور إلى قلوبهم، وتسعدهم وتسعد أبناءهم.

ابحثوا عن المحتاجين في كل مكان، في كل بيت، وانصروا أنفسكم، وقووا صحتكم، وادفعوا عنكم الكرب والهموم بمساعدتهم.

أسعد نفسك، وداوِ مرضك المزمن بمساعدة هؤلاء. اجعل تفكيرك منصبًّا على هؤلاء، على مستوى الفرد، والحي، والجيران، والمجتمع، والدولة. فهناك من يستغيثون جوعًا ومرضًا في فلسطين، وفي جميع بلاد المسلمين.

حذارِ من الغفلة عنهم، وإلا فسوف تذوق الأمة بأسرها مرارة العقاب والعذاب من الله. انصروا الضعفاء والمساكين حتى يكون النصر حليف الأمة!

نداء إلى أئمة المساجد

أيها المشايخ الكرام، احرصوا خلال صلاة التراويح على أن تكون المسابقات في المساجد ذات فائدة دينية حقيقية. اجعلوا المسابقات في حفظ سور من القرآن الكريم وتعاليمه، بحيث يُسأل كل فرد في نهاية الأسبوع عمَّا حفظه وفهمه من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

اشرحوا الآيات التي تدعو إلى تهذيب السلوك والأخلاق، واذكروا الأحاديث النبوية التي تحث على مكارم الأخلاق. لا ينبغي أن تكون هذه التعاليم مقصورة على شهر رمضان، بل يجب أن تستمر طوال العام، حتى نصبح أمةً قوية، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

ولا تنسوا إحياء العشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر، كما جاء في الحديث النبوي الشريف:(التمِسوها في العشرِ الأواخرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى…) [أخرجه مسلم]

وكذلك سنة الاعتكاف، كما ورد في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها:(أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده) [صحيح البخاري]

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا من الفائزين في الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى