فعل الخير هو رسالة الأنبياء والمرسلين

بقلم: د. ياسر جعفر
لطالما كان فعل الخير جوهر الرسالات السماوية، فهو المبدأ الذي بُعث من أجله الأنبياء والمرسلون، وسار عليه الصالحون والمصلحون عبر التاريخ. فالخير لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد ليشمل المجتمعات والحكومات، إذ يُعدّ أساس الفلاح في الدنيا والآخرة.
فكل أمة تحرص على العدل ونشر الخير بين أفرادها تجد نفسها في طريق التقدم والازدهار، بينما تؤول الأمم التي تبتعد عن هذه المبادئ إلى الفساد والانهيار
ولذلك فإن الخير رسالة الأنبياء والمرسلين والصالحين، وكل إنسان فيه خير، لأن الخير فلاح الدنيا والآخرة، على مستوى الأفراد والجماعات والحكومات. ولذلك، أي حكومة تفعل الخير لشعوبها تجد الدولة في تقدم وازدهار ونجاح، لأن الخير هو رسالة رب السماء، حتى لو كانت هذه الدولة كافرة، فقد ورد: “الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة.”
أما إذا لم تنشر الدولة المسلمة الخير والعدل، ولم تأمر بالمعروف وتنهَ عن المنكر، فهي دولة ظالمة، ويكون الخراب كل الخراب إذا لم تُنفَّذ طاعة الله وشرعه. فإذا رأيت الحكومات تأمر بالخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فاعلم أنها حكومات فيها خير لشعوبها. أما إذا رأيت عكس ذلك، فلن تقوم لهذه الدولة قائمة، ولن تجلب لشعبها إلا الخزي والعار ودمار الشعوب وانهيار الدولة والاقتصاد على جميع الأصعدة.
يقول الله تعالى:﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]
وفي ختام الآية، نجد أن الله وعد الذين يفعلون الخير بأنهم من المفلحين، وهذا دليل على أن الخير سبب الفلاح في جميع المجالات وعلى جميع الأصعدة.
أما من خالف ذلك، فعاقبته الخراب والدمار والخيانة العظمى والانهيار وعدم الاستقرار.وقد روى أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ أنه قال:
“من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.”
وعن حذيفة – رضي الله عنه – أن النبي ﷺ قال:”والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم.”
حقوق الناس وأثرها في المجتمع
من الخير إعطاء الحقوق لأصحابها، فكل إنسان يجب أن ينال حقه، وكل طالب مجتهد يجب أن يحصل على حقه، كما أن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من الحقوق الواجبة. لا يجوز التفرقة بين الناس على أساس الأنساب أو المحسوبيات، ويجب محاربة الفساد والمفسدين، لأن ذلك من أعظم الحقوق.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله ﷺ قال:”من كانت له مظلمةٌ لأحدٍ من عرضه أو شيءٍ، فليتحلَّله منه اليومَ، قبل أن لا يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أخذ منه بقدرِ مظلمته، وإن لم تكن له حسناتٌ، أخذ من سيئاتِ صاحبه فحُمِل عليه.” (رواه البخاري)وقال ﷺ:”لتؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء.” (رواه مسلم)
العدل أساس الحكم الرشيد
الخير كل الخير في إعطاء الناس حقوقهم، وأداء الأمانات، والحكم بالعدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول الله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58]قال الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية:”الأمانات تشمل كل ما ائتمن عليه الإنسان وأُمر بالقيام به، فأمر الله عباده بأدائها كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة. ويدخل في ذلك أمانات الولايات، والأموال، والأسرار، والمأمورات التي لا يطّلع عليها إلا الله.”
كما أن الحكم العادل يجب أن يشمل جميع الناس دون تفرقة بين القريب والبعيد، أو المؤمن والكافر. يقول الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]
قال الإمام السعدي – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية:”لا يحملنكم بغض قومٍ على ألا تعدلوا، بل كما تشهدون لوليكم، فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم، فاشهدوا له، ولو كان كافراً أو مبتدعاً.”
لماذا لا نطبق رسالة السماء؟
هذه رسالة السماء، فلماذا لا نطبقها؟ لماذا نريد أن نعيش في الذل والانكسار والضعف بعيداً عن هذه الرسالة؟ لماذا نسمع ونطيع رسائل الغرب المدمرة، بينما نبتعد عن شرع الله؟إن موالاة الكفار تعني الذل والانكسار والدمار، وقد نهى الله المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، لأن ذلك ضعف في الدين وتصويب للمعتدين. قال الله تعالى:﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28] حُسن القول وحُسن الأخلاققال الله تعالى:﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآية:”الحسن من القول هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحلم، والعفو، والصفح، والقول الطيب.”
وفي السنة النبوية، نهى رسول الله ﷺ عن بعض الصفات التي تنافي تمام الإيمان. فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال النبي ﷺ:”ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللعَّان، ولا الفاحش، ولا البذيء.” (رواه الترمذي)
ختاما؛ فعل الخير هو رسالة الأنبياء والمرسلين، وهو سبب الفلاح في الدنيا والآخرة. فلا بد أن نلتزم بالعدل، وإعطاء الحقوق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأن هذا هو السبيل الوحيد لنجاح الأفراد والمجتمعات والدول.
أسأل الله أن يجعلنا من الداعين إلى الخير، والعاملين به، والمقتدين برسالة الأنبياء والمرسلين.