د ياسر جعفر يكتب : احذروا التجسس والتنصت افة تهدد القيم والمجتمعات

التجسس والتنصت وتتبع عورات الآخرين، سواء بالكلام أو التكنولوجيا، من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمعات. هذه السلوكيات ليست مجرد أفعال غير أخلاقية، بل هي انعكاس لأمراض أخلاقية، تؤدي إلى زعزعة القيم، وانتهاك الخصوصية، ونشر الفساد .
التجسس والتنصت هما من أخبث الصفات التي يمكن أن يتصف بها الإنسان. سواء كان عبر النميمة والغيبة أو باستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل برامج القرصنة التي تُستخدم بشكل غير قانوني للتجسس على حياة الآخرين. المؤسف أن بعض الأفراد يستخدمون هذه الأساليب لابتزاز الآخرين وتهديدهم، مما يعكس انعدام الأخلاق وسوء التربية.
لقد حذر الإسلام بشدة من التجسس والتنصت. فالقرآن الكريم والسنة النبوية شددا على ضرورة احترام خصوصيات الآخرين. قال تعالى: “وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا” (سورة الحجرات: 12). كما اعتبر الإسلام التجسس خلقًا ذميمًا يدل على ضعف الإيمان وفساد الأخلاق.
التجسس لا يقتصر تأثيره على الأفراد فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع بأكمله. فهو يؤدي إلى تفكك العلاقات، وانعدام الثقة بين الناس، ونشر الفوضى. كما أن كشف عورات الآخرين بهدف الفضيحة أو الانتقام يعكس قلوبًا مليئة بالحقد والغل، مما يؤدي إلى فساد الحياة الاجتماعية.
على الرغم من التحذير من التجسس، إلا أن الإسلام أباح تتبع المجرمين من قبل الجهات المختصة لضمان الأمن والاستقرار. تتبع الجرائم مثل القتل والسرقة أمر مشروع ومحدد بقوانين تضمن حماية المجتمع من الفوضى. لكن هذا الدور محصور بالجهات الأمنية، ولا يبرر لأي شخص عادي التعدي على خصوصيات الآخرين.
مع التقدم التكنولوجي، أصبح التجسس الإلكتروني من أكبر التحديات. برامج القرصنة والتطبيقات التي تُستخدم للتجسس صُممت أصلاً لاستغلال نقاط الضعف في الأنظمة، لكنها أصبحت أداةً للابتزاز والكشف عن أسرار الناس. هذه الممارسات لا تخالف فقط القوانين، بل تُعدّ أيضًا جريمة أخلاقية واجتماعية.
مواجهة هذه الظاهرة تبدأ بتعزيز القيم الأخلاقية والدينية في المجتمع. يجب أن يُزرع في الأفراد احترام خصوصيات الآخرين، وتقدير أهمية الأمانة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات فرض عقوبات صارمة على من يثبت تورطهم في التجسس، كما جاء في قوله تعالى:
التجسس والتنصت من الآفات التي تنخر في قيم المجتمع، وتؤدي إلى انتشار الفساد. المطلوب هو تعزيز الوعي الديني والأخلاقي، وتفعيل القوانين التي تردع هذه الجرائم، لضمان مجتمع قائم على الثقة والاحترام المتبادل.
و لذلك نهى الله تبارك وتعالى عنه عباده المؤمنين في آية محكمة وصريحة تدل على تحريمه، فقال سبحانه: ﴿ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ* ﴾ [الحجرات: 12]
قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية: “قوله: ﴿ *وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ يقول: ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره” ثم ذكرَ أثرَ ابن عباس رضي الله عنه في ذلك إذ يقول: (*نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن*)
وفي الحديث الصحيح:(*إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا*) رواه مسلم،وفي روايه في صحيح البخاري
(*إيَّاكُمْ والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَباغَضُوا، وكُونُوا إخْوانًا، ولا يَخْطُبُ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ حتَّى يَنْكِحَ أوْ يَتْرُكَ.*)
يَنْهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُحَذِّرُ مِن بعضِ ما يُؤدِّي إلى هذه الفُرقَةِ والعَداوةِ والتَّباغضِ؛ فحذَّر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الظَّنِّ، وهو تُهمةٌ تقَعُ في القَلبِ بلا دَليلٍ، يعني سُوءَ الظَّنِّ بِالمسلِمين، والحديثَ بما لم يُتيقَّنْ مِنَ الأخبارِ، وقال: « *إنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديثِ»، أي: يَقعُ الكذبُ في الظَّنِّ أكثرَ مِن وُقوعِه في الكلامِ، وقيلَ: المرادُ بأكذَبِ الحديثِ: حَديثُ النَّفْسِ؛ لأنَّه يكونُ بإلْقاءِ الشَّيطانِ في نفْسِ الإنسانِ. وقيل: إنَّ إثْمَ هذا الكَذِبِ أزْيدُ مِن إثمِ الحديثِ الكاذبِ، أو إنَّ المَظنوناتِ يقَعُ الكذِبُ فيها أكثرَ مِن المَجزوماتِ. ونَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن التَّجسُّسِ فقال: « *وَلَا تَجَسَّسُوا*»، والتَّجسُّسُ: البحثُ عَنِ العَوراتِ والسَّيِّئاتِ، والسَّعيُ في كشْفِ سَترِ اللهِ عن عِبادِه، ويُستثنَى منه ما لو تَعيَّنَ ذلك طَريقًا لإنقاذِ إنسانٍ مِن هَلاكٍ أو نحْوِه؛ كأنْ يُخبِرَ أحدُهم بأنَّ فلانًا خَلا برجُلٍ ليَقتُلَه. ثمَّ قال: « *وَلا تَحَسَّسُوا*» والتَّحسُّسُ: هو طَلَبُ مَعرفةِ الأخبارِ والأحوالِ الغائبةِ، « *وَلا تَباغَضُوا*» والمرادُ: النَّهيُ عن تَعاطي أسبابِ البَغضاءِ والكراهيةِ، والانسياقِ وَراءَها، وفِعلِ ما يُسبِّبُ العَداوةَ بيْنهم؛ لِمَا في تَباغُضِهم منَ التَّفرُّقِ المذمومِ، « *وكُونوا إخوانًا*» كما أراد اللهُ لكم؛ حيث جعَلَكم إخوةً في الدِّينِ، وهي رابِطةٌ تلتَئِمُ بها العلاقاتُ بين النَّاسِ، وتَزيدُ المحبَّةَ والأُلفَةَ بيْنهم، كما قال اللهُ تعالَى: { *إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ*} [الحجرات: 10
وعن أبي أمامةَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((*إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ في النَّاسِ أفسَدَهم*))
قال المُناويُّ: (*إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ”، أي: طلَب الرِّيبةَ، أي: التُّهمةَ في النَّاسِ بنيَّةِ فَضائِحِهم. أفسَدَهم، وما أمهَلَهم، وجاهَرَهم بسُوءِ الظَّنِّ فيها، فيؤدِّيهم ذلك إلى ارتِكابِ ما ظُنَّ بهم ورُموا به، ففَسَدوا، ومقصودُ الحديثِ: حَثُّ الإمامِ على التَّغافُلِ، وعَدَمِ تتَبُّعِ العَوْراتِ؛ فإنَّ بذلك يقومُ النِّظامُ، ويحصُلُ الانتظامُ، والإنسانُ قَلَّما يسلَمُ مِن عَيبِه، فلو عامَلَهم بكُلِّ ما قالوه أو فعلوه اشتَدَّت عليهم الأوجاعُ، واتَّسَع المجالُ، بل يَستُرُ عُيوبَهم، ويتغافَلُ ويصفَحُ، ولا يتَّبِعُ عَوراتِهم، ولا يتجَسَّسُ عليهم*)
وقال سُبحانَه في عاقبةِ مَن ظَنَّ به السَّوءَ: “*وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ*” [فصلت: 22- 23]
قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (*إذا استولى الصَّلاحُ على الزَّمانِ وأهلِه، ثمَّ أساء رجلٌ الظَّنَّ برجلٍ لم تظهَرْ منه خِزيةٌ، فقد ظَلَم*) وعنه أيضًا: (*ليس من العَدلِ القضاءُ على الثِّقةِ بالظَّنِّ*) وقال أبو ذَرٍّ: (*الأمانةُ خيرٌ من الخاتَمِ، والخاتَمُ خيرٌ من ظَنِّ السُّوءِ*) وقال سَلمانُ الفارسيُّ: (*لأَعُدُّ عِراقَ قِدْري مخافةَ الظَّنِّ*) وقال مالِكٌ: (بلغني أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما باع من رجلينِ بيتًا، وكان يكيلُ لهما، وقعد إلى جانبِ حائطٍ في ظِلِّه، فذهب الظِّلُّ عنهما، وأصابت ابنَ عُمَرَ الشَّمسُ، فقال له الرَّجلانِ: لو انصرَفْتَ عن الشَّمسِ فإنَّا لا نزيدُ على حَقِّنا! فقال ابنُ عُمَرَ: أمَا إنِّي لا أراكما إلَّا وقد صدَقْتُما، ولكِنَّ القعودَ في الشَّمسِ أحَبُّ إليَّ مِن ظَنِّ السَّوءِ
وقال طاهِرُ بنُ الحُسَينِ لابنِه عبدِ اللهِ لَمَّا ولَّاه المأمونُ الرَّقَّةَ ومِصرَ وما بَيْنَهما: (*ولا تتَّهِمَنَّ أحدًا من النَّاسِ فيما تولِّيه من عَمَلِك قبلَ أن تَكشِفَ أمرَه؛ فإنَّ إيقاعَ التُّهَمِ بالبُرآءِ والظُّنونَ السَّيِّئةَ بهم مأثَمٌ، واجعَلْ من شأنِك حُسْنَ الظَّنِّ بأصحابِك، واطرُدْ عنك سوءَ الظَّنِّ بهم، وارفُضْه فيهم، يعينُك ذلك على اصطناعِهم ورياضتِهم. ولا يجِدَنَّ عَدُوُّ اللهِ الشَّيطانُ في أمرِك مَغمَزًا؛ فإنَّه إنما يكتفي بالقليلِ من وَهنِك، فيُدخِلُ عليك من الغَمِّ في سوءِ الظَّنِّ ما يُنغِّصُك لَذاذةَ عَيشِك*) وكان بَكرٌ المُزَنيُّ يقولُ: (*إيَّاك من كلامٍ ما إن أصَبتَ فيه لم تؤجَرْ، وإن أخطَأْتَ وَزِرتَ. وذلك سُوءُ الظَّنِّ بأخيك*) وقال أبو حاتمِ بنُ حِبَّانَ: (*العاقِلُ يُحسِنُ الظَّنَّ بإخوانِه، وينفَرِدُ بغمومِه وأحزانِه، كما أنَّ الجاهِلَ يُسيءُ الظَّنَّ بإخوانِه، ولا يُفكِّرُ في جناياتِه وأشجانِه*) وقال ابنُ عطيَّةَ: (*كان أبو العاليةِ يختِمُ على بقيَّةِ طعامِه مخافةَ سُوءِ الظَّنِّ بخادِمِه*) وقال الغَزاليُّ: (سُوءُ الظَّنِّ غِيبةٌ بالقَلبِ) وقال الخطَّابيُّ: (*الظَّنُّ منشَأُ أكثَرِ الكَذِبِ*) وقال إسماعيلُ بنُ أُمَيَّةَ: (*ثلاثٌ لا يُعجِزْنَ ابنَ آدَمَ: الطِّيَرةُ، وسُوءُ الظَّنِّ، والحَسَدُ. قال: فيُنجيك من الطِّيَرةِ ألَّا تعمَلَ بها، وينجيك من سُوءِ الظَّنِّ ألَّا تتكَلَّمَ به، وينجيك من الحسَدِ ألَّا تبغيَ أخاك سُوءًا*)
وقال الحارِثُ المحاسِبيُّ: (*احمِ القَلبَ عن سُوءِ الظَّنِّ بحُسنِ التَّأويلِ) .- وقال الشَّرباصيُّ: (مهما رأيتَ إنسانًا يسيءُ الظَّنَّ بالنَّاسِ طالبًا للعيوبِ فاعلَمْ أنَّه خبيثٌ في الباطِنِ، وأنَّ ذلك خُبثُه يترشَّحُ منه، وإنما رأى غيرَه من حيثُ هو؛ فإنَّ المُؤمِنَ يطلُبُ المعاذيرَ، والمُنافِقَ يطلُبُ العيوبَ، والمُؤمِنُ سليمُ الصَّدرِ في حَقِّ كافَّةِ الخَلقِ*)
التجسس صورة من صور ضعف الإيمان وضعف التدين وقلة المراقبة، وهو من الجانب الأخلاقي والسلوكي يدل على دناءة النفس وخستها، وضعف همتها، وانشغالها بالتافه من الأمور عن معاليها وغاياتها.
قال أبو حاتم رحمه الله في “روضة العقلاء”: (*التجسس من شعب النفاق، كما أن حسن الظن من شعب الإيمان*).
التجسس سبيل إلى قطع الصلات وتقويض العلاقات، وظهور العداء بين الأحبة والأصحاب، وبث الفرقة بين الإخوان.. فقد يرى المتجسِّسُ من المتجَسَّسِ عليه ما يُسوءه فتنشأ عنه العداوة والحقد والكراهية والبغضاء، ويدخل صدرَه الحرجُ والتخوف بسبب فقده للثقة في صاحبه !
التجسس سبيل إلى الكراهية والبغضاء، ودافع إلى العداوة والانتقام؛ فإذا علم شخص ما أنّ فلانا يتجسس عليه ويريد أن يهتك ستره ويفضح أمره، فربما سعى هو من جانبه إلى التجسس عليه وفضحه وهتك ستره ، وهكذا يتدرج الشيطان بالناس حتى يوقعهم في العداوة والبغضاء والخصام والنزاع!
التجسس دليل بيّن واضح على سوء الطوية، وعن نفاق يعشش في قلب صاحبه، وأن صاحبه بعيد عن الإيمان وإن ادّعاه، بعيد عن التقوى وإن تزيا بلباسها، لذا كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذه صفته بقوله: “*يا معشر مَن آمَنَ بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته*”. رواه أبو داود (4880)، وأحمد (4/ 420) (19791) عن أبي برزة الأسلميّ. وصححه الألباني في صحيح الجامع
“*لا تَغْتابوا المسلِمينَ*”، أي: لا تَذكرُوهم في غَيبتِهم بما يَسوءُهم ويُحزِنُهم، “*ولا تتبِعوا عَوراتِهم*”، أي: ولا تتحرَّوْا تتبُّعَ سقَطاتِهم وزَلَّاتِهم، وكشْفَ ما يَسترُونَه عن النَّاسِ من القَبائحِ؛ “فإنَّه مَنِ اتَّبع عَوراتِهم يتَّبِعِ اللهُ عورتَه، ومَن يتَّبعِ اللهُ عوْرتَه يفضَحْه في بيتِه”، أي: يكونُ الجزاءُ مِن جِنس العَملِ، فكمَا تتبَّعوا سَقطاتِ المسلمينَ وزلَّاتهِم واغْتابوهم لفَضحِهم، سَخَّر اللهُ تَعالى له مَن يتَّبعُ عورتَه فيفضَحُه حتى وهو في بيتِه
وفي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر(*صَعِدَ رَسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبَرَ فنادى بصَوتٍ رفيعٍ، فقال: يا مَعْشَرَ مَن أسلَمَ بلِسانِه ولم يُفْضِ الإيمانُ إلى قَلْبِه، لا تُؤذوا المُسلِمينَ، ولا تُعَيِّروهم، ولا تتَّبِعوا عَوْراتِهم؛ فإنَّه من تتَبَّع عَورةَ أخيه المسلِمِ تَتَبَّع اللهُ عَورتَه، ومن تتَبَّعَ اللهُ عَورتَه يَفضَحْه ولو في جَوفِ رَحْلِه، قال: ونظَرَ ابنُ عُمَرَ يومًا إلى البَيتِ أو إلى الكعبةِ، فقال: ما أعظَمَكِ وأعظَمَ حُرمَتَكِ! والمؤمِنُ أعظَمُ حُرمةً عندَ اللهِ مِنكِ*) رواه الترمزي
ويكفي التجسس سوءا وقبحا أن صاحبه يُعَرّض نفسه لغضب الله وأليم عقابه في الآخرة، أما في الدنيا فيبقى مكروهاً مُبغَضاً عند الناس، فهو دائماً في محل الريبة والشك، لا يأنس الناس به، ولا يرتاحون بحضوره، لان وجهه عليه غضب من الله ومكروه ومنبوذ من الناس لانه خبيث العقل مريض القلب
ويكفي التجسس سوءا وقبحا أن *صاحبه كالذباب* لا يكاد يقع إلا على المستقذرات والمنتنات والمستقبحات ذوقاً وعرفاً، بل وشرعاً؛ لأنه لا يبحث إلا عن العيوب والنقائص.
وقد توعّد رسول الله صلى الله عليه وسلم “*من يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، بأن يُصَبّ في أذنه الرصاص المذاب يوم القيامة بسبب فعلته هذه. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “*وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ*”. والآنك: الرَّصاص المُذاب.
محاولة الاطلاع على ما يخفيه الناس عن غيرهم:فمن الناس من تتطلع نفسه إلى معرفة “*ما يخفيه الناس في هواتفهم أو أوراقهم أو صورهم ونحو ذلك*’ وقد قال عليه الصلاة والسلام: “*من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه*”. أخرجه الترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه!!
يقول الإمام أبو حاتم ابن حبانرحمه الله:”*الواجبُ على العاقلِ لزومُ السلامةِ بتركِ التجسّس على عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسِه، فإنّ مَن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يُتعب قلبه، فكلما اطلع على عيبٍ لنفسِه، هانَ عليه ما يَرَى مثله مِن أخيه، وإنّ مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عَمِيَ قلبُه، وتعِبَ بدنه، وتعذَّرَ عليه تركُ عيوب نفسِه، وإنّ مِن أَعْجَزِ الناس مَن عابَ الناس بما فيهم، وأعجزُ منه من عابهم بما فيه، ومَن عاب الناس عابوه*” (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: ص: 125)
لقد شدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس والتحذير منه، وبيَّن أنَّه مفسد للأخوة، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات، وسبيل إلى إفساد الناس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”” من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه”رواه البخاري
فكيف بالذي يطلع على أدراجهم وغرفهم المغلقة بدون إذنهم..؟!
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها فيبيته” رواه ابن ماجه.